HOME MESSAGES

روما  وفاسولا فِي 30/3/2003

رسالة من فاسولا إلى القرّاء

 

إِلَى قُرَّاءِ "الحياةِ الْحَقيقيَّةِ فِي اللهِ" الأَعزَّاءِ،     

منذُ العامِ 2000، حَصَلَ لِي شَرفُ الإتِّصالِ بنِيافَةِ الكاردينال جوزف راتزنْجر، مُدبِّرِ مَجمعِ عقيدةِ الإيِمانِ. فِي 6 تَمُّوز 2000, عرَضْتُ عليهِ طَلَبِي الْمتواضعَ عن كِتاباتِي، بُغْيةَ إِخْضاعها لِمَزيجٍ مِنَ الدَّرْسِ من قِبلِ الْمَجمعِ نفسِه، وكَيْ أُمْنَحَ الفُرْصة للإجابةِ على التَّحَفُّظاتِ الواردةِ فِي بلاغِ 4 تشرين الأَول 1995
"notification". تلَطَّفَ نيافتُه ووفَّر لِي هذه الفُرْصةَ وأَرسَلَ لِي، عن يدِ الأَبِ بروسبيرو غريتش، رسالةً مؤرَّخةً فِي 4 نيسان 2002 تَحْتوي على خَمسةِ أَسئلةٍ للإجابةِ علَيها. ثُمّ أُخضِعَتْ أَجْوبَتِي على هذه الرَّسائلِ، لِمَجْمعِ عقيدةِ الإيِمانِ فِي 26 حزيران 2002. طلبَ منِّي الكاردينال راتزنْجر الآن أنْ أَنشُرَ الأَسْئلةَ مَع أَجْوِبتِي عَليها، وأَنا سعيدةٌ أنْ أَتَشاركَها معكُم كَتَعبيرٍ عَن وجهةِ نظري الرّسْميِّة.

 

أُصلِّي ليكونَ نشرُ هذه الوَثيقةِ فِي خدمةِ حوارِ الْحَقِّ والْحُبِّ، وهذا الأمرُ مُهمٌّ ليس فقط للعَملِ الْمسكونِيِّ بل أَيضًا لِجَعلِ نِعَمِ اللهِ مثْمرةً فِي الكنيسةِ.

 

لِيُبَارِكْكُم اللهُ.

                                                               فاسولا

 

 

 

 

رسالَة 4 نيسان 2002

مِن مَجمع عقيدة الإيْمـان

Collegio Sta Monica

Via Paolo VI, 25,

001930 Rome

عزيزتِي السَّيدة رايدن،

فِي 6 تَمُّوز 2000, تَوجَّهْتِ برسالةٍ إلِى نيافةِ الكاردينال راتْزنْجر بشأنِ البلاغ "Notificazione" الصّادرِ عَن مَجمعِ عقيدة الإيِمانِ الْخاصِّ بِكِتاباتِكِ. إهْتمَّ نيافتُه برسالتِكِ، وبالاتِّفاقِ مع مُعَاونيه، قرَّرَ أَنْ يَمْنَحَكِ الفُرصةَ لتُوضِحِي مَعَانِي بعض الْمَقُولاتِ الواردةِ فِي مَنْشوراتِك. لذلك، انْتُدِبْتُ للإتِّصالِ بكِ شَخْصيًّا، مُحَادثةً وكِتابةً، حتّى يكوِّنَ الْمَجْمعُ فِكرةً أَوضحَ عن التَّفسيرِ الصَّحيحِ لِهذه الْمَقولات. وبِكونِكِ لَسْتِ كاثوليكيَّةً، أَودُّ ، فِي مُستهلِّ حديثِي، أَن أُوضِحَ لكِ، بأنّك لا تَخْضعين لسُلطةِ الْمَجْمعِ القضائيّةِ وبأنَّ قضيَّتكِ لا تقع فِي خانةِ النَّقدِ الشَّخْصي. لَكنْ، بِما أَنَّ كثيرًا من الكاثوليكِ يُوَاكبون "الْحياة الْحقيقيَّةَ فِي الله"، فَلَهُم الْحقُّ أَنْ يَعرِفوا ما يِجِبُ أَنْ يكونَ مَوقِفُهُم من أمورِ العقيدةِ والْمُمارَسةِ الَّتِي تُوحِي بِها كتاباتُكِ. نَحْنُ أَيضًا مُضطَلِعونَ على أعْمالِكِ، أَعمال الْمحبَّةِ، وعلى جهودِك فِي سبيلِ إِرْشادِ كلِّ الْمسيحيّينَ صوبَ الوحدةِ مع أَسْقفِ روما، وعلى تعبُّدكِ العظيمِ للعَذْراءِ مَريَمَ الْمُباركة، وإِبرازِكِ الله كإلَه الْحُبِّ حتّى لِغيرِ المسيحيِّينَ، ومُعَارضتِكِ لِلعقلانيّةِ والفَسادِ بين الْمسيحيِّينَ. يَبْدو أَيضًا أَنَّك، فِي كُتُبِك الأَخيرةِ، قد تَجَنَّبتِ بعض التعابيرِ الغامضةِ الواردةِ فِي كُتُبِك الأُولَى. ومع ذلك أَكونُ لكِ شَاكِرًا، إذا اسْتَطعْتِ أَنْ تُجاوبِي، بأَوضحِ ما يُمْكنُ، على بعضِ الأسئلةِ، فتساعدي الْمَجْمعَ على تكوينِ فكرةٍ أَوضَحَ عن أَفْعالِكِ.

 

1- أَنتِ تعلَمينَ جيِّدًا أنَّه لِكلٍّ مِنَ الكاثوليكِ والأُرثوذكس وحيٌ واحدٌ فقط هو وَحيُ اللهِ بِيَسوع الْمَسيحِ، الواردُ فِي الكُتبِ الْمقدَّسَةِ والتَّقليد. فِي الكنيسةِ الكاثوليكيَّة، حتّى ولَو قُبِلَ الوَحْيُ "الخاصُّ" كما فِي لورد وَفَاطيمة، ولَو أنَّه أُخِذَ بِجَدِّيَّةٍ، فإنَّه لَيسَ مِن أُمورِ الإيْمان. فبِأَيِّ مَعنَى إذًا، تُصَنِّفينَ كتاباتِكِ كَوَحيٍ وكَيفَ يَنْبَغي أَنْ يَتَقبَّلَها مُسْتَمِعوكِ وقُرَّاؤُكِ؟

2- أَنتِ تَنْتَمينَ إلَى الكَنِيسَةِ الأُرثوذكسيَّةِ وتَحثِّينَ دائمًا كهنةَ هذا الإيْمانِ وأَساقفتَهُ على الإعْترافِ بالْبابا وعلى إقامةِ السّلامِ مع الكنيسةِ الكاثوليكيَّةِ. لذلك، ولِسوءِ الْحَظِّ، أنتِ غيرُ مُرَحَّبٍ بِكِ فِي بَعضِ البلدان الَّتِي تُشاطِرُكِ نَفْسَ طائفتكِ الدينِيَّة. لِماذا تَتَبنَّينَ هذه المهمَّة؟ ما هو رأيُكِ بأسْقفِ روما وكيفَ تتوقَّعينَ مُستقبَلَ الوَحْدةِ الْمسيحيَّةِ؟ مع ذلك، يشعر أَحدُنا، بعضَ الأحيان، وهو يقرأُ أَعْمالَكِ، بأنّك تَقِفينَ فوق الكَنيسَتَين دونَ الإلتزامِ بأيٍّ مِنهُما. مثلاً على ذلك، يَبْدو أنَّكِ تتقدَّمينَ إلَى الْمُناولةِ فِي كِلا الكَنيسَتَين: الكاثوليكيَّة والأرثوذكسيَّةِ، لَكِنْ بالنِّسبةِ لِوَضْعِكِ الزَّوجِيِّ، فإنّكِ تَتبَعينَ عُرْفَ التَّدبيرِ
"
Oikonomea". كما سَبَقَ وقُلتُ، هذه الْمُلاحظات لا تَعْنِي أيَّ انتِقادٍ شَخصيٍّ؛ كَما أنَّه لا يَحقُّ لنا إطلاقًا أنْ نَحْكُمَ على ضميرِكِ، لكنَّكِ تَتفهّمينَ اهتِمامَنا بالنِّسبةِ لأَتْباعِكِ مِنَ الكاثوليك الَّذين يُمْكنُ أنْ يُفسِّروا هذه الْمواقفَ بطريقةٍ نسبيةٍ ويُجَرَّبوا بِإهْمالِ نِظامِ كَنيسَتِهم بالذَّات.

3- فِي كتاباتِك الأُولَى، كَما تبيَّنَ فِي البلاغ "Notification" كان هناكَ بعضُ الغُموض فِي الْمُصْطَلَحاتِ الْمُتعلِّقةِ بأَشخاصِ الثالوثِ القدّوس. نَحْنُ متأكِّدون بأنّك تُؤَيِّدين تعاليم كنيستك. هل تَظُنِّين أَنّكِ تَستطيعينَ أنْ تُساعدينا فِي توضيحِ هذه التَّعابيْر؟ عند التَّعاملِ بأمورٍ إيْمانيَّةٍ، أَليسَ من الأنْسَبِ اتِّباعُ الْمُصْطَلحاتِ

الرَّسْميَّةِ للتَّعليم الْمسيحيِّ لِتَجنُّبِ التشوُّشِ فِي عقولِ قرَّاءِ "الحياة الحقيقيَّة فِي الله"؟

4- هناك أَيضًا بعضُ الصُّعوباتِ فيما يَخْتصُّ بالبرُوتولوجيَّة والأسكَتُولوجِيَّة. بأيِّ معنًى تَحصلُ النَّفسُ على "رؤية الله" قبل دخولِها فِي الْجَسَدِ؟ وكيفَ تَرينَ مكانَةَ العَنصَرةِ الْجَديدةِ فِي تاريخِ الْخَلاصِ في علاقةٍ بالْمجيءِ الثانِي للْمَسيحِ وقِيامَةِ الْموتَى؟

5- ما هي الْهويَّةُ الْحقيقيَّةُ لِحَرَكَةِ "الْحَياة الْحقيقيَّة فِي الله" وماذا تَطلبُ مِن أَتْباعِها؟ وما هي بِنْيَتُها؟

عزيزتِي السَّيدَة ريدن، نَحْنُ نأسَفُ لإزعاجِكِ بِهذه الأَسئلةِ، ولكِنْ نُطَمْئِنُكِ بأَنَّنا نُقدِّرُ أَعْمالَكِ الصّالِحَةَ ومقاصِدَكِ. ومع ذلك، فِي جَوابِنا على رِسالتِكِ للكاردينال راتزنْجر، شَعَرْنا أَنَّه كانَ مِن واجبِنا تَوضيحُ بعضِ الالتباساتِ فِي كِتاباتِكِ الَّتِي قَدْ تَكونُ خَفَتْ عَلَيكِ. نَحْنُ مَدينونَ بذلك إلَى قُرَّائِكِ الكاثوليك الَّذينَ رُبَّما عَاشوا صِراعَ ضميرٍ باتِّباعِهم كتاباتِك. أَرجو أنْ تَأْخذي وَقْتَكِ للإجابةِ؛ إِنّه مِنَ الأفضل أَنْ نَلْتقيَ معًا وأنْ يكونَ لنا بَعضُ الأحاديثِ غير الرّسْميّةِ قبلَ أَن تَكْتبِي أيَّ شيء. صَلِّي حتّى يُنيرَكُ الرّوحُ القدُسُ واسْتَشيري أَيَّ مُرشدٍ روحيٍّ أو لاهوتِيٍّ تَثِقِينَ بِه. نَحْنُ متأكِّدونَ بأَنَّ تَساؤلاتِنا ستُساعدُكِ أيضًا لتُدْركِي الْمضامينَ الأَعمقَ لكتاباتِكِ حتّى تَجْعليها أكثرَ قَبُولاً لدى كلٍّ من الكاثوليكِ والأُرثوذكسِ. أَنا شخصيًّا سأكونُ فِي تَصرُّفِكِ لتوضيحِ مَعانيها.

 

نيافتُه يُبَلِّغلكِ تَحِيّاتِه ولَه مِلءُ الثِّقةِ بأَنّكِ سَتُزَوِّدينَه بِجَوابٍ مُرْضٍ لِتُسَهِّلي مُهِمَّتَه فِي الاستِجابةِ لِمطاليبِ رسالتِكِ.

الْمخلصُ لكِ                                                          في الْمسيح

الأب بروسبيرو غريتش OSA

مستشارُ الْمجمعِ

 

 

جواب فاسولا إلى مجمع عقيدة الأيمان

روما 26/6/2002

 

حضرةُ الأب بروسبيرو غريتْش الْجزيل الإحترام

Collegio Sta monica,

Via Poalo UI, 25

1 – 00193 Rom

 

مرجع: جوابُ فاسولا ريدن على رسالةِ الأب بروسبيرو غريتش الْمكتوبةِ بالنيابةِ عن نِيافتِه، الكاردينال جوزف راتْزنْجر، من مَجمعِ عقيدةِ الإيْمانِ والْمؤرخةِ فِي 4 نيسان 2002.

 

عزيزي الأب بروسبيرو غريتشْ،

أوَّلاً، أَودُّ أَنْ أشْكُرَكَ لِمَنحِيَ الفُرصةَ للإجابةِ على الأسئِلةِ الَّتِي طَرَحْتَها ببالغِ الإحترام حولَ كتاباتِي ونَشاطِي فِي رِسالتِكَ الْمؤرَّخةِ فِي 4 نيسان 2002 والَّتِي تُكرِّرُ نِقاطَ النَّقدِ الوارِدةَ فِي بلاغNotifiction "1995.

إِنَّنِي مُدرِكةٌ لِلْمُهمَّة والْمَسؤوليَّةِ الْمُلْقاةِ على مَجْمعِكم الْمُقدَّس فِي " اختبارِ الأَرواح" (ا يو 4/1). لقدْ أَدْرَكتُ إلَى حدٍّ ما، خلالَ هذه السِّنينَ، تَعقُّدَ هذه الْمُهمَّةِ، مُهمَّةِ التَّمييزِ، وكم هي دقيقةٌ، لأنَّنِي أَنا بِنَفْسِي قَدِ الْتَقَيتُ، منذُ بدايةِ مَسيرتِي، بأَشْخاصٍ كثيرينَ تَقرَّبوا منِِّي، مُدَّعينَ بأَنَّهم تَمتَّعوا هُم أيضًا باختباراتٍ إِلَهيَّةٍ يُريدونَ أنْ يمزجوها معَ اخْتِباري. مِن بابِ الْتَعَقُّلِ والْمَسؤوليَّة، جَعَلتُه مبدأً لِي عَدم الإهتِمامِ بِأَيٍّ مِنْهم. لِذلِكَ أُقَدِّرُ أَهَمِّيَةَ عَملِكم لِحمايةِ الْمُؤمِنِينَ مِنْ أَيِّ أَذَى وحِفْظِ الإيْمانِ نَقيًّا وبَعيدًا عنِ الاخْتباراتِ الزَّائفةِ ولِتُصانَ أَيضًا الْمَواهِبُ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي تَستَطِيعُ أَنْ تفيدَ الكنيسة.

أنا أَيضًا مُمْتنَّةٌ لكَ، إِذْ إِنّك تَمْنَحُنِي الفُرصَةَ لأوضِحَ وأُفسِّرَ بَعْضَ التَّعابيرِ الَّتِي قَدْ تَبْدو غَيرَ واضِحَةٍ إذْ أنَّها مكتوبةٌ بِأُسلُوبٍ تَصَوُّرِيٍّ وشاعِرِيٍّ وَرَمزيّ. كَما أنَّنِي مُدْركةٌ أيضًا بأَنَّ تكلُّمِي إِلَى الْمسيحيِّينَ الكاثولِيك رغْم كَونِي أُرثوذكسيَّةً يونانيَّةً هو شيءٌ نادرٌ؛ لَكِنْ بَدلاً من اعتبارِ هذا الأَمرِ نوعًا مِنَ الفَوْضى، فإنَّنِي أَرغَبُ بتواضعٍ فِي أنْ يكونَ ذلك مُساهَمتِي البسيطة فِي الشِّفاء من الْخِلافاتِ بين الإخوةِ الْمسيحيِّينَ. وهكذا، سأُجيبُ بأفضَلِ ما يُمْكنُنِي، على الأَسئلةِ الَّتِي تَفَضَّلْتُم وعَرَضتُموها عليَّ بِنَزاهةٍ كاملةٍ وَوضوحٍ، وأنا على ثقةٍ أَيضًا بِسَخائِكم وإِرادتِكُم الطيّبةِ وتَفَهُّمِكم لِمَحدوديَّتِي فِي التَّعبيرِ عن كاملِ الصّورةِ الواردةِ فِي 12 مجلَّدًا من الكتبِ الْمُعَنْوَنَةِ " الْحياةُ الْحقيقيَّةُ فِي الله".

أَلسؤال 1:  أَلْعِلاقَةُ بينَ "الْحياةِ الْحقيقيَّةِ فِي الله" والوَحْي

أَنتِ تعلَمينَ جيِّدًا أنَّه لِكلٍّ مِنَ الكاثوليكِ والأُرثوذكس وحيٌ واحدٌ فقط هو وَحيُ اللهِ بِيَسوع الْمَسيحِ، الواردُ فِي الكُتبِ الْمقدَّسَةِ والتَّقليد. فِي الكنيسةِ الكاثوليكيَّة، حتّى ولَو قُبِلَ الوَحْيُ "الخاصُّ" كما فِي لورد وَفَاطيمة، ولَو أنَّه أُخِذَ بِجَدِّيَّةٍ، فإنَّه لَيسَ مِن أُمورِ الإيْمان. فبِأَيِّ مَعنَى إذًا، تُصَنِّفينَ كتاباتِكِ كَوَحيٍ وكَيفَ يَنْبَغي أَنْ يَتَقبَّلَها مُسْتَمِعوكِ وقُرَّاؤُكِ؟

 

لَمْ أَحْظَ قطْ بِإيِّ دروسٍ في التَّعلِيم الْمَسِيحِيّ، ولا في عِلمِ اللاهوت، كما لَمْ أَكُنْ أَعْرِف أيَّةً من الفُروقِ اللاهُوتيَّةٍ كالَّتِي ذُكِرَتْ أَعْلاهُ، في بِدايةِ نِدائي واهتِدائي. تَعَلَّمْتُ هذه الفروقاتِ تَدْريِجيًّا، أَثناء تَوجيه الرّوح القُدُسِ العذب. فِي بدايةِ هذه الدَّعوةِ، كنت مُضطربةً جدًّا، وأوائل ظاهرة مَلاكِي، قلتُ هذا: "لَكِنّي لا أَفْهم. فَنَحْنُ لَدينا الكتابُ الْمقدَّسُ، لِماذا نَحتاجُ إذًا إلَى رسائلَ؟" أَجابَنِي ملاكِي: "إنّكِ تَشْعرينَ إذًا بأنَّ كلَّ شيءٍ قَدْ أُعطيَ فِي الكتابِ الْمقدَّس؟" أَجَبْتُ: "نعَم. لِذلك لا أَرى داعِيًا لكلِّ هذا، أَعْنِي ليس هناك شيء جديد." فَتابعَ الْمَلاكُ قائِلاً: "يُريدُ الله أَنْ تُعْطى هذه الرَّسائلُ." قُلتُ: "هل مِن سَبَبٍ مُعيَّن لأكونَ أنا؟" أجابَ الْملاكُ: "كلاَّ. ألله يُحبُّكُم جَميعًا. هذه الرَّسائِلُ هي فَقَط مُذكِّرٌ، لِتُذَكِّرَكم كيفَ بَدأَتْ أَساساتُكُم." (7/8/1986)

 

قالَ لِي قسٌّ بروتستانِتِيٌّ يومًا بأنَّه ما من سببٍ يَدعو الله لِيُكلِّمَنا الآن، ما دام لَدينا الكتابُ الْمقدَّسُ. فقُلْتُ لِلمسيح، مُضْطربةً: "ياربِّ، هناك من القساوسةِ مَن يَرْفضونَ أَن يَسْمعوا أو يُؤْمنوا أنَّك تستطيعُ أنْ تُظْهرَ نفسَكَ هكذا مِنْ خِلالِي؛ يقولون إِنَّكَ أَنتَ، يسوعَ، قد جِئْتَنا بِكامِلِ الْحَقيقَةِ ولا يَحْتاجونَ لغيرِ الكتابِ الْمقدَّسِ. بكلماتٍ أُخْرى، كلُّ هذه الأَعْمالِ هِي غير صحيحة." فكانَ جَوابُ الْمَسيح التَّالِي:

سبقَ وقُلْتُ لَكم جَميعًا إِنَّ المُحامي، الرُّوح القُدس، الَّذي سيُرْسِلُهُ الآبُ باسْمِي، سيُعَلِّمُكم كلَّ شيء ويذكِّرُكم بكلِّ ما قلتُه لكم (يو 14/26). لسْتُ أعطيكم أيَّ تعليمٍ جديدٍ، بَل أُذَكِّركم بالحقِّ وأُعيدُ إلى الْحَقيقَةِ التّامة جميعَ الَّذينَ حادوا عنها. أنا الرَّبَّ، سأحْفَظُكم دومًا مُتَيَّقِِظين بتذكيراتٍ، وروحي القدّوس، المُحامي، يكون دائمًا بينكم كمُذَكِّرٍ بِكَلِمتِي، لِذا لا تتعَجَّبوا عندما يُخاطِبُكم روحي القدّوس. هذه التذكيرات هي مِنْ نعمتي لِتَهدِيَكم وتُذَكِّرَكم بِطُرُقي (20/12/1988).

 

فِي مقطعٍ آخرَ بعد إحدى عشْرة سنةً، طلبَ منّي ربُّنا أنْ أكتبَ ما يلِي:

 

كلُّ هذه الرَّسائلِ تأتِي مِنَ عَلُ ومُلهمةٌ بِواسِطتِي. يُمْكنُ أَنْ تُسْتعمَلَ بطريقةٍ مُجْديةٍ للتَّعليمِ ولدَحْضِ الأَخْطاء. يُمْكنُ أنْ تُستعْمَلَ لإِرشادِ الكنيسةِ إلَى الوَحدَةِ وتَوجيهِ حياةِ النَّاسِ وتَعليمِهم كيفَ يكونونَ قدِّيسينَ. أُعطِيَتْ لكم بُغْيةَ تَفْسيرٍ[1] أَفْضَلَ لِلْوَحِيِ[2] الْمُعطى لَكم. فهي ينبوعٌ لا يَنْضبُ من النِّعمِ الْمُدْهشةِ لكم جَميعًا لتجدُّدِكم (30/7/1999).

 

أُؤمنُ أَنَّ هناكَ وحيًا واحدًا ولَم أَقُلْ أبدًا العَكس، ولنْ تَجِدوا هذا فِي كتاباتِي. لا أَتوقَّعُ من قُرَّاء "الْحياة الْحقيقيَّة فِي الله" أنْ يعطوا الرَّسائلَ أهمِّيةً أكثرَ منَ الكتابِ الْمُقدَّس، وأنا متأكِّدةٌ بأنّه لا يوجدُ أيُّ شيءٍ فِي كتبِ " الْحياة الْحقيقيَّة فِي الله" يَحْمِل كلَّ الَّذين يَسْمعُوننِي أو يَقْرأوننِي على التَّفكيرِ بطريقةٍ أُخْرى. بالْحقيقةِ، فِي شَهادتِي، أَذكُرُ كلَّ الوَقتِ، مقاطعَ عديدةً من الكُتُبِ الْمقدّسة، وحتَّى، بعضَ الأَحيانِ، أكثرَ مِن الرَّسائلِ نفسِها. فِي الرَّسائلِ، هناك إِصْرارٌ واضحٌ ومُتَواصلٌ على التَّركيزِ على الكتابِ الْمقدَّسِ وعلى العَيشِ بِحقيقَتِه. الكتاباتُ هي تفعيلٌ ومذكِّرٌ بالْوَحْيِ الوحيدِ والأَوحدِ في الْمسيحِ، الواردِ فِي الكتابِ المقدَّس وفِي التَّقليدِ، الْمنقولِ بواسطةِ الكنيسةِ؛ فهي ليسَتْ سوى نداءٍ لِهذا الْوَحْيِ. بالواقع، إِنَّ هذه الكتاباتِ لَم تَدفَعْ أبدًا القرَّاءَ إلى وَضعِها فوقَ الكتابِ الْمُقدّس، لكنَّ الشَّهاداتِ تدلُّ على أنَّها ساعدَتْهم ليَفْهموا بطريقةٍ أَفضلَ كلِمةَ الله. مع ذلك، نَحنُ نعلمُ بأنَّ الله يسْتطيعُ أنْ يُذَكِّرَنا بكلمتِه الْمُبارَكة، عِنْدما يَعلمُ أَنّه ضَروريٌّ لِمنْفعةِ الكنيسةِ. نِعَمٌ من هذا النَّوعِ وهي بالفِعلِ نِعَم، تُنيرُ أو تُبيِّنُ حقيقةً معروفةً مُسبَقًا وتُعطي فَهْمًا أَفضلَ لَها.

يُمْكنُ لأيِّ شَخْصٍ أَنْ يتساءلَ لِماذا دعا اللهُ شخْصًا مَحدودًا جدًّا وغيرَ جدير، لا مُبالٍ وجَاهلاً كليًّا فِي أُمورِ الكنيسةِ، لَم يَتُقْ أَبدًا إلَى اللهِ، لَيتلقّى "تذكيرًا بكلمتِه؟" أَلَيسَ الكَهَنَةُ وَاللاهوتيّونُ مَدْعُوِّين للعَمَلِ نَفْسه؟ نعَم، أَعتقِدُ أنّهم مَدْعوُّونَ، وأَنا، لَم أَقصدْ، بأيّةِ طريقةٍ، أَنْ أُنافِسَ الكهنةَ واللاهُوتيِّينَ الَّذينَ دَعاهم اللهُ لِيَقوموا بواجِبِهم؛ مع ذلك، أُؤمِنُ بأنَّ اللهَ قد دعانِي، على نَحْوٍ غيرِ متوقَّعٍ، بِعملٍ مباشَرٍ من قِبَله.

عَلِمتُ حَديثًا بأنَّ مَجْمعَ الفاتيكانِ الثَّانِي قَدْ أَكَّد كَمْ هو مهمٌّ أنْ يُساهِمَ العِلْمانيّونَ فِي نَشْرِ الْخبرِ السَّار مِن خِلالِ الْمَواهِبِ الْمُتَعدِّدَةِ الَّتِي يَمْنحُها الله لِكَنِيسَتِهِ. فِي  نُورِ الأمُم "Lumen Gentium"، يَعْرِضُ الْمَجمعُ بِوضوحٍ أنَّ العلمانيّين يُشاركون فِي الدَّورِ النبويِّ لِلمَسِيح, وأَنَّ الْمَسِيح "يُحَقِّقُ هذا الدَّور، لَيسَ فَقَط بِواسِطةِ السُّلطةِ الكَهَنوتِيَّةِ بَلْ أَيضًا بِوَاسِطَةِ العِلْمانيِّين الَّذينَ يَجعلُ منهم شهودًا ويَمدُّهم بِحسِّ الإيْمان "sensus Fidei" وبنعمةِ الكلِمةِ..." (نور الأمَم 35). فكلُّ عِلْمانِيٍّ، إذًا، مَدْعُوٌّ لدورٍ يقومُ به فِي هذه الْخدْمةِ، خدمةِ الإنْجيلِ، بِحَسبِ الْمَوهِبَةِ الْمُعطَاة لَه أو لَها مِن قِبَلِ اللهِ، ومِن خلالِ تلك الْمَواهبِ يُصبحُ هو أو هي توًّا الشَّاهدَ(ة) والآلَة الْحيَّةَ لرسالةِ الكنيسةِ نفْسِها،  "وفقًا لِمقدارِ هِبةِ الْمسيحِ".

فِي مُعْظمِ الأَعمالِ الكلاسيكيَّةِ لِلاَّهوتِ الكاثوليكيِّ الأَساسي، هناك تَمْييزٌ بين  الوَحْي كَمَفْهومٍ للتأمّل، (ألوحي بالأحرف الكبيرة[3]) والوَحْي كَمَفْهومٍ اختباريٍّ ( وَحيٌ بالأحرُفِ الصَّغِيرة، وغالبًا في الجَمْع[4]). عندما أَتكلَّمُ عَنِ اخْتِبارِي الْمُتواضِع كـ"وَحْيٍ"، أَتَكَلَّمُ عَنِ الْوَحْيِ بِحَرفٍ صَغيرٍ مِنْ وِجْهة النَّظرِ الإختِباريّةِ.

لا أتَكَلّمُ عَنِ اختِباري كَوَحْيٍ مِن وجهةِ نَظَرِ العقيدةِ، وكأنّي أُريدُ أنْ أُنافسَ الوَحْيَ بطريقةٍ ما. تَمامًا كَما فِي " إيحاءاتٍ خاصَّةٍ" أُخرى أو "إيحاءات نبويَّة"، فإنَّ عَمَلِي لا يُضيفُ شيئًا إلَى وَديعةِ الإيْمان. على العَكسِ، فإنَّ دعوةَ الله لِي تَهْدِفُ للدَّلالةِ على مِلْءِ الْحَقِّ لِوَديعةِ الإيْمان، للتَعمُّقِ بِه تَمامًا والعَيشِ بِحقيقتِه.

إنَّ دُسْتورَ كلِمةِ الله "Dei Verbum" للْمَجمعِ الفاتيكانِيِّ الثَّانِي أوضَحَ بأنّ الْوَحْيَ العامَّ هو تامٌّ وكاملٌ "وليسَ مِنَ الْمُتوقَّعِ وَحْيٌّ جديدٌ قبلَ الظُّهورِ الْمَجيدِ للرَّبِّ يَسوع الْمَسيحِ" ((Dei Verbum4. من ناحيةٍ أُخْرى، يُوضحُ كلمةُ الله
"
Dei Verbum"  أيضًا أنَّ شعبَ اللهِ يَحْتاجُ باسْتِمرارٍ إلَى أنْ يتعمَّقَ فِي تقديرِ هذا الْحقِّ:

إِنَّ التَّقليدَ الَّذي يأتِي مِن الرُّسلِ يَخْطُو متقدِّمًا فِي الكنيسةِ بِمساعدةِ الرّوح القدسِ. هناكَ نُموٌّ فِي تَبَصُّرِ الْحَقائقِ والكَلِماتِ الَّتِي تُنْقَلُ إِلَينا. وهذا يَتِمُّ بِطرقٍ متعدِّدةٍ. يأتِي عن طريقِ تَطلُّعِ وبَحْثِ الْمؤمنينَ الَّذينَ يتأمَّلونَ هذه الأشياءَ فِي قلوبِهم. (لوقا 2/19 و51) يأتِي مِنَ الشُّعورِ الْحَمِيميِّ بالْحَقائِقِ الرُّوحِيَّةِ الَّتِي يَخْتَبروُنَها. وَيَأتِي مِنْ تَبْشيرِ أُولئكَ الَّذين تلقَّوا، فضلاً عن حقِّهِم فِي الْخلافة الأسقفيّة، موهبة الْحقّ اليقينيَّة. وهكذا، مَعَ تَوالِي القرونِ، تتقدَّمُ الكنيسةُ دائمًا نَحْوَ كَمَال الْحقّ الإلَهيِّ، حتّى تَتمَّ فِي آخرِ الأَمْرِ كلماتُ الله فيها (كلمة الله Dei Verbum 8).

 

إِنَّ نيافةَ الكاردينال جوزف راتْزنْجر قد أَعْلنَ بِكثيرٍ من الصَراحة فِي ما خصَّ العِلاقةَ بين النُبوءةَ الْمَسيحيَّةِ والْوَحيِ، بأنَّ الفَرَضيَّةَ القَائلةَ بِأَنَّ النُبوءة يَجبُ أنْ تَنْتهِي بإتْمامِ الْوَحيِ بالْمسيحِ، تُخْفي مغالطات. لقَدْ عبّرَ عن موقِفِه فِي مقابلةٍ عن النُّبوءَةِ الْمَسيحِيَّةِ ومُجدَّدًا فِي تَعلِيقٍ، عِندَ كَشْفِ السرِّ الثالثِ لفاطيمة. أَسْمحُ لنَفْسِي أنْ أسْتشْهدَ بكلامِه مباشرةً من الْمُقابلةِ:

 

"أَلْوَحي، هو جَوْهريًّا الله الَّذي يَهَبُ نفسَه لَنا، الَّذي يَبْنِي التَّاريخَ معنا والَّذي يُعيدُ تَوحيدَنا جامعًا إيّانا كلَّنا معًا. هو كشفٌ لِلقاءٍ يَحْملُ أيضًا بُعدًا صريْحًا متأصِّلاً وبِنْيةً مَعْرِفيَّةً. كَما يَحْمِلُ أَيضًا مضامينَ لِمعرفةِ حقيقةِ الْوَحْي. إِذَا فُهِمَ بطريقةٍ صحيحةٍ، يكونُ الْوحْيُ قد بَلَغَ غايتَه مع الْمَسيح، لأَنَّه كما يعبِّرُ القدّيس يُوحنا الصَّليبِيُّ بكلماتِه الْجميلةِ – عندما يتكلّمُ الله شخصيًّا، لا شيءَ يُضَافُ إِلَى ذلك. لا شيءَ أَكْثرَ يُمكنُ أنْ يُقالَ عَنِ "الكلمة". هو بينَنا بطريقةٍ كاملةٍ، وليس للهِ، ما يُعطينا إيّاه ويقولُه لنا أَعْظمُ مِن نَفْسه، لَكنْ، هذا الكمال الكلِّيّ بعطاءِ الله نفسِه – يَعْنِي أنّه هو، "الكلمةُ"، حاضرٌ فِي الْجَسدِ- ويعنِي أَيضًا أَنَّه علينا أَنْ نسْتمرَّ فِي وُلُوج هذا السرِّ. يُعيدنا هذا إِلَى بِنْيةِ الرَّجاء. إِنَّ مَجيءَ الْمَسيحِ هو بِداية لِمعرفةٍ تتَعمّق باستمرار، وكشفٌ تدريجِيٍّ، لِما أُعْطيَ، فِي "الكلمة". هكذا، فإنَّ طريقةً جديدةً تُدشَّنُ لتقودَ البشرَ إِلَى الْحقيقةِ الكاملةِ، كَما يُعبِّر عنها يسوعُ فِي إنْجيل يوحنا، عندما يقولُ بأنّ الرّوحَ القدسَ سَيَحُلَّ عليكم. أَعتَبِرُ أَنَّ الكرستولوجيا الرّوحيَّة"pneumatological Christology" لِخُطْبةَ يسوعَ الوداعيّة، مُهمّةٌ جدًّا لِموضوعِنا الرَّاهنِ حيثُ يفسِّرُ يسوعُ بأنَّ مَجيئَه بالْجسدِ كان فقط خُطْوَةً أُولَى. إِنَّ الْمَجيءَ الْحقيقيَّ سيَحْدثُ، عندما لا يعودُ الْمسيحُ مُرْتبطًا بِمكانٍ أو بِجسدٍ مَحدُودٍ مَحلِّيًّا، ولكنْ عندما يأتِي إِلينا جَميعًا فِي الرُّوح، كَالْمَسيحِ القَائِمِ، بِحَيثُ إِنَّ الدُّخولَ فِي الْحَقِيقَةِ يُمْكنُ أَيضًا أَنْ يَكْتَسِبَ عُمْقًا أَكثَر فَأَكثَر. يَبدُو لِي واضِحًا – إِذَا أخَذْنا بعينِ الإعتبارِ أَنَّ زمنَ الكنيسةِ، أيِ الزَّمنَ الَّذي يأتِي فيه الْمسيحُ إِلينا بالرّوح كم قدْ حُدِّدَ بِهذه الكريستولوجيَّة  الروحيَّة - Pneumatological Christology- فإنَّ العُنصرَ النبويَّ، كعنصرِ رجاءٍ ونِداءٍ، لا يُمكنُ أنْ يُفْقَدَ طبيعيًّا أو يُسمَحَ بأنْ يَضمَحلّ (30 Giorni, January 1999).

 

بالطَّريقَةِ ذاتِها، لا أَدَّعِي أَبدًا، بأنَّ كِتاباتِي تَقتَربُ مِن مَنْزِلة أو سُلطة الكتابِ الْمقدّس. فالكتابُ الْمقدّسُ مُوحًى به ومَعصومٌ عن الْخطأ. أَعْتقدُ بتواضعٍ، أنّ الرَّبَّ لَمَسَنِي لأُرَافِقَه مِن خلالِ عملٍ مباشرٍ فِي نفْسي، فيُساعدُنِي عِنْدما أُدْعى للكتابةِ، لكنَّه ليسَ وَحْيًا بالْمَعْنى نفسِه كما هو فِي الكتابِ، والنَتيجةُ لَيسَتِ العِصمَةَ عَنِ الْخَطأ، وَلَكِنْ ذلك لا يَعْنِي أَيضًا أنّه يَجبُ أنْ تتضمَّنَ كِتاباتِي أَخطاءً عقائديةً، وإنِّي أُؤَكِّدُ بأنَّها خاليةٌ منها.

يُذكّرُنا الأب ماري-أوجين، فِي كتابه "أَنا بنتُ الكنيسة"، كيفَ يَستطيعُ الله أَنْ يَتَأقْلَمَ مع النَّفْسِ:

إنَّ عَمَلَ الله الْمُباشَر، الْرّاسخُ فِي الطَّبِيعَةِ الإِنْسانيَّةِ الّتِي يَسْتَخدمُها، يَتَكَيَّفُ بِشَكلٍ مُدْهشٍ مَع الْحياةِ النفْسيّةِ للنَّفْس. هذا التكيُّفُ من قِبلِ اللهِ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرُ ظاهِرَةً مُهِمَّةً لِتداخُلاتِه. الله الَّذي يَقْبلُ أنْ يتكلَّمَ لُغةَ البشَر لِيعطيَنا نورَه، يصلُ به التَّنازُلُ إلى حدِّ تَكْيِيفِ نَفْسهِ مع أَمْزِجتِنا واحتياجاتِنا الْخاصّةِ فِي اخْتيارِ هذه العلاماتِ حتّى يضمنَ بأكثر تأكيد اللقاءَ بنا. إلى الإِيْمان الَّذي احتفظَ بِنَقاوتِه وبَسَاطته، سيتكلّمُ بلغةِ علاماتٍ خارجيةٍ متألِّقةٍ تَجعلُ الإيْمانَ يَنْبِضُ. وإلى الإِيمانِ الَّذي صيَّرَتْهُ العقلانيَّةُ حَذِرًا وانتقاديًّا، سَيَسْتَعْملُ لغةً أكثر عقلانيَّة[5].

قالَ الكاردِينَال رَاتزنْجر: "أَنْ يكونَ أَحدُنا قادرًا على جَعْلِ نفسِه ككلمةٍ وصورةٍ للاتِّصالِ الدَّاخِليِّ مَع الله، حتَّى فِي حالةِ التصوُّفِ الْحقيقيِّ، فذلك يَعْتَمِدُ دائمًا على إِمْكانيّاتِ النَّفس البَشَريَّةِ ومَحْدودِيَّتِها." هكذا، أَنا أَخْتبِرُ كَلِمةَ الله بدونِ جُهْدٍ، وبِتَعبيرٍ آخَر، بدون أيِّ إِرْغامٍ مِنْ قِبَلِي، فهي فقط تأتِي. أتَلقَّى هذه الاتِّصالاتِ (كلِماتٍ داخليَّةً) بِشَكْلينِ. أرجو الإشارةَ هنا بأنَّنِي لا أَعتزِمُ، بأيّة طريقَة، أَن أقولَ بأنَّنِي أعْرفُ تَمامًا كيف أُعبِّرُ عَن هذه الظَّاهرةِ وكيف أنَّ اللهَ يستطيعُ أنْ يفعَلَ مثل هذه الأَشياءِ، لكنَّ هذا التَّفسيرَ أَدْناه هو أَفضلُ ما أَستطيعُ القِيامَ بهِ:

أ- مِن خلالِ تَدخّلِ الكلِماتِ الدّاخليّة، أَي التَّعابير "LOCUTION". ألكلماتُ الَّتِي أُدْرِكُها هي حقيقيَّةٌ، وأَكثَرُ وضوحًا مِمَّا لَو كنتُ أسْمَعُها بأُذنَيَّ. إنَّ كلِمَةً واحِدَةً يُمْكِنُ أنْ تَحتَوِيَ وَحْدها عالَمًا مِنَ الْمَعانِي، حتّى أنَّ الفَهمَ وَحدَه يَعجزُ أنْ يُعبِّرَ عنه بِسُرْعة فِي لُغةِ البَشرِ. أيّةُ كَلِمةٍ إِلَهيةٍ أو إرشاد مُعطى لِتَعْلِيمِي، لنْ يكونَ على مثالِ طريقةِ التَّعليِم فِي الْمدرسةِ، ذلك، ربَما، نظرًا لِضيقِ الوَقتِ، لا يُمكنُ تَفسيرُه بِجُملَتِه دفعةً واحدَة، أو قد يُنسى بِسَببِ الضُّعفِ البَشري، أو حتّى لا يُفهم فهمًا وافيًا. لكنَّ الإرشادَ الإلَهِي أو الكلمةَ الْمُعطاةَ، سَتُعْطى فِي مثلِ هذه الفترةِ الزَّمنِيَّةِ وتُحْفَرُ فِي العَقْلِ بطريقةٍ سيكونُ من الصَّعْبِ نِسْيانُها. أَلنّورُ الَّذي تنشرُه واسعٌ جدًّا، تَمامًا كنورٍ ساطعٍ يَمتدُّ في كلِّ مكان، فيُعْطيكَ فورًا غِنًى فِي الْمعرفةِ أَكثَرَ من الكلِمةِ بِنفْسِها. أَلكلمةُ الْمُعْطاةُ هِيَ كنَهرٍ مُتَرامِي الأطرافِ يَنْقسِمُ إلَى جَداولَ أُخْرى تقودُكَ إلَى كلِّ مكانٍ وإلَى أماكِنَ مُخْتلفةٍ ولكنّها تتفرَّعُ دَائمًا من النَّهْرِ الواحدِ. أيُّ تعليمٍ عاديٍّ فِي مدرسةٍ لَكانَ أَخذَ معي أَشْهرًا لأَتعلًَّمَه. بينَما أَخْتَبِرُ الكلماتِ بقوّةٍ فائقَة، أكونُ مُدركةً أيضًا أنَّ الصِّيغةَ الْمكتوبةَ والطَّريقةَ الَّتِي يَجبُ أنْ أُعبِّرَ فيها بالكلماتِ تَعْتَمِدُ دائمًا على قُدُراتِي الْمَحْدودةِ فِي اللُّغةِ والتَّعبيرِ.

ب- أَلطريقةُ الثَّانيةُ الَّتِي أَتلَقّى بِها كلماتِ الله هي من خلالِ نورٍ منَ الفَهْمِ فِي ذهنِي، دون أيِّ تعبيرٍ كلامِيّ. وكأنَّ الله ينقُلُ فِكْرَه إلَى فِكْري. أَعلمُ حالاً ما يريدُه اللهُ أو يرغبُ فِي قَوْلِه. حينئذٍ، يتوجَّبُ عليّ أنْ أُدوِّنَ هذه "الرِّسالةَ غيرَ الْمعبَّرِ عنها"، بِقَدْرِ ما أَستطيعُ،  باختيارِ كلماتِي الْخاصَّة.

 

لَقَدْ أُخبرتُ مؤخَّرًا هنا فِي روما بأَنَّ القدّيسةَ بريِجيت السُّويديةَ كانَ لَها طُرقٌ مُشابِهةٌ لتَدْوينِ رسائلها.

 

لِماذا اختارَ الرَّبُّ هذه الطَّريقةَ الْخاصَّة لِكتابةِ الرَّسائِل حتّى أَنَّه يُمْسكُ بِيَدي؟ بالْحَقِيقَةِ لا أَعلمُ. عندما سألتُه عَنِ السَّببِ، قال لِي ببَساطة: "لأننِي أُحبُّ أنْ يَكونَ بَهذه الطَّريقةِ". فلا أَعْلَمُ كيف يَحدُثُ ذلك. غير أنَّنِي أَودُّ أَنْ أُشيرَ إلَى أنَّ الّلاهوتيِّينَ الَّذين هُم أَيضًا خبراءُ فِي دراسةِ الْخطوطِ والَّذينَ حقَّقوا فِي الكتاباتِ، دَعَوها كتابةً "هِيريَّةً"، ورأوا عدّةَ فروقاتٍ أساسيَّةٍ بين طَريقتِي فِي الكتابةِ وبينَ الكتابةِ الْمسَمَّاةِ آليّةً. وقد عَلِمْتُ مؤخرًا، بأنَّ متصوِّفينَ مشهورينَ، كَتِريز الأَفيليةِ، إِختَبَرَتِ الإنْخطافَ فِي جسدِها أو بعضَ الأحيانِ فِي جزءٍ من جَسَدِها. أَعْتقدُ أنَّ هذا هو شكلٌ ملطَّفٌ منَ الإنْخطافِ فِي يَدي، وأَثِقُ أَنَّ الرَّبَّ لَه غاياتُه فِي ذلك.

 

السؤال 2: علاقتِي كَمَسيحيَّةٍ أُرثوذكسيَّة بالكنِيسةِ الكاثوليكيَّةِ الرومانيَّة

أَنتِ تَنْتَمينَ إلَى الكَنِيسَةِ الأُرثوذكسيَّةِ وتَحثِّينَ دائمًا كهنةَ هذا الإيْمانِ وأَساقفتَهُ على الإعْترافِ بالْبابا وعلى إقامةِ السّلامِ مع الكنيسةِ الكاثوليكيَّةِ. لذلك، ولِسوءِ الْحَظِّ، أنتِ غيرُ مُرَحَّبٍ بِكِ فِي بَعضِ البلدان الَّتِي تُشاطِرُكِ نَفْسَ طائفتكِ الدينِيَّة. لِماذا تَتَبنَّينَ هذه المهمَّة؟ ما هو رأيُكِ بأسْقفِ روما وكيفَ تتوقَّعينَ مُستقبَلَ الوَحْدةِ الْمسيحيَّةِ؟ مع ذلك، يشعر أَحدُنا، بعضَ الأحيان، وهو يقرأُ أَعْمالَكِ، بأنّك تَقِفينَ فوق الكَنيسَتَين دونَ الإلتزامِ بأيٍّ مِنهُما. مثلاً على ذلك، يَبْدو أنَّكِ تتقدَّمينَ إلَى الْمُناولةِ فِي كِلا الكَنيسَتَين: الكاثوليكيَّة والأرثوذكسيَّةِ، لَكِنْ بالنِّسبةِ لِوَضْعِكِ الزَّوجِيِّ، فإنّكِ تَتبَعينَ عُرْفَ التَّدبيرِ
"
Oikonomea". كما سَبَقَ وقُلتُ، هذه الْمُلاحظات لا تَعْنِي أيَّ انتِقادٍ شَخصيٍّ؛ كَما أنَّه لا يَحقُّ لنا إطلاقًا أنْ نَحْكُمَ على ضميرِكِ، لكنَّكِ تَتفهّمينَ اهتِمامَنا بالنِّسبةِ لأَتْباعِكِ مِنَ الكاثوليك الَّذين يُمْكنُ أنْ يُفسِّروا هذه الْمواقفَ بطريقةٍ نسبيةٍ ويُجَرَّبوا بِإهْمالِ نِظامِ كَنيسَتِهم بالذَّات.

 

 

ألدَّوافعُ لِتَبَنِّي عَمَل الوَحدة هذا

 

لا أَعْتقِدُ أنَّنِي كنتُ أَمْلِكُ الشَّجاعةَ والْحَماسةَ لأُواجهَ الأَرثوذكسيين لأجْعَلَهم يَفْهمونَ الْمُصالَحةَ الَّتِي يرغَبُها الرَّبُّ منهم، لَو لَمْ أَخْتَبرْ حُضورَ الرَّبّ، ولا كنتُ اسْتطعْتُ أنْ أَتَحمَّلَ الْمُعارضاتِ والانتِقاداتِ والاضطِهاداتِ الَّتِي عانَيْتُها منهم. فِي بدايةِ تدخُّلِ اللهِ، كنتُ مُرْتبكةً كلِّيًا وخِفْتُ أنْ أَكونَ مَخْدوعَة؛ هذا الشَّكَّ كانَ حقًّا الصَّليبَ الأكبرَ، إِذْ أنَّنِي لَم أَسْمَعْ قطُّ فِي حياتِي مِن قَبْل أنَّ الله يَقْدِرُ، في الواقعِ، أَنْ يُعبِّرَ عن نَفْسِه إلَى النّاسِ فِي أيّامِنا هذهِ بالذَّاتِ، ولَم أَعْرِفْ أحدًا لأسألَه عن ذلك. لذا، حاوَلتُ أنْ أُبْعِدَه عنّي، لَكنَّ الإختبارَ لَمْ يَكُنْ لِيُفارِقَنِي، ولاحِقًا مَع الوَقتِ، بتَمَهُّلٍ، أَصبَحتُ متأكدةً وواثقةً بأنَّ كلَّ هذا لَمْ يكُنْ إلاّ عَمَلَ الله، لأنَّنِي بدأتُ أرى يدَ الله فيه. لِذلك توقَّفْتُ عنِ الْخَوفِ لأُواجِهَ الْمعارضةَ والانتِقادَ، ولِي ملءُ الثِّقةِ بربِّنا، لأنَّنِي أعلَم، بأنَّه حيثُ أُنقِصُ سَيُملِئُ دائمًا، بالرُّغمِ من عَدمِ كَفاءتِي، وأَنَّ أَعمالَهُ ستَكونُ نِهايتُها دائمًا مَجيدة.

 

ألتقرُّبُ منَ الكَهنَةِ والرُّهبانِ والأساقفةِ الأُرثوذكسيِّينَ لِيَعْترفوا بالبابا ويَتَصالَحوا بِصْدقٍ مع الكنيسةِ الرُّومانيةِ ليسَ بالْمهمّةِ السَّهْلةِ، كَما يقولُ ربُّنا فِي إحْدى الرَّسائل؛ فَهِيَ كَمنْ يُحاولُ أَنْ يَسبَحَ فِي الإتِّجاهِ الْمُعاكسِ لتيَّارٍ جارفٍ؛ لَكِنْ، بعدَ أَنْ رأيتُ كَم يُقاسِي ربُّنا مِن انْقِسامِنا، لَمْ أستطِعْ أَنْ أَرْفُضَ طلبَ الرَّبِّ عندما سألَنِي أنْ أَحْملَ هذا الصَّليب؛ لذلك، قَبِلْتُ بِهذه الْمهمَّةِ، إنّما ليسَ بدونِ اجتيازِ (وما زِلتُ أجتازُ) نيرانٍ كثيرةٍ.

لقَدْ سَأَلْتَ: "لِماذا تَتَبنَّين هذه الْمُهمّةَ؟" جوابِي هو, لأنَّنِي دُعِيتُ من قِبَلِ الله، آمَنْتُ وأَجَبْتُه؛ لِذَلكَ، أُريدُ أنْ أَعْملَ مَشيئةَ الله. كلماتُ الْمَسيحِ الأولَى كانَتْ: "أَيُّ بَيتٍ هو أكثرُ أَهَميَّةً، بيتُكِ أم بيتِي؟" أَجبتُه: "بيتُكَ، يا ربّ". قالَ: "أَحيِي بَيتِي، زَيِّنِي بَيتِي وَوَحِّدِيه".

بعضُ الكهنةِ الأَرثوذكسيِّين اليونانيِّين يَرْفضونَِنِي كلِّيًّا، أَولاًّ لأنّهم لا يصدِّقونَنِي[6]، ثانيًا لأنَّنِي إمرأةٌ، وثالثًا لأنَّ على الْمرأةِ ألاَّ تتكلَّم. بعضُ الرّهبانِ مُشكّكونَ فِيَّ، يقولون بأنّنِي قدْ أَكونُ حِصانَ طَرْوادة أرسلنِي البابا وَدَفَعَ لِي، أو حتّى أحد الْمتَّحدين بكنيسةِ روما[7].  كثيرونَ لا يريدونَ أنْ يَسْمعوا عَن الْمُصالَحةِ أو عنِ الْمَسْكونيّةِ. يعتبرونَ هَرْطقةً أنْ أُصلّي مع الكاثوليك الرّومان. فَهُنا حيثُ يَرَوننِي وكأنّي أقفُ خارجَ الكنيستينِ دون الإلتزامِ بأيٍّ مِنْهما. أنا مُلْتَزمةٌ كلِّيًا وتَمامًا بكنيستِي، لكنَّ الأمرَ ليس هرطقةً ولا إِثْمًا إذا عِشتُ الْمسكونيّة وصَلَّيتُ مع مسيحيِّينَ آخرينَ لأُعزّز الوَحدةَ. إِنَّ مفتاحَ الوَحدةِ، رغمَ ذلك، حسب ربِّنا فِي الكتاباتِ، هو التَّواضُعُ والْحُبُّ. كثيرونَ من أبناءِ الكنائسِ لا يَمْلكونَ هذا الْمفتاحَ بعدُ. كثيرونُ من العِلْمانيينَ اليونانيينَ الأُرثوذكسيِّينَ وأَيضًا الكَاهِنُ البسيطُ قرب الزاوية، صعودًا إلَى الراهبِ فِي الدير البعيدِ، يَنْعتونَ الكنيسةَ الكاثوليكيةَ الرّومانية، إِلَى اليومِ، بالْهرطوقيةِ والْخطيرةِ؛ لقدْ تعلّموا أنْ يصدِّقوا ذلك مُنذُ وِلادَتِهِم، وهذا خطأٌ. لكنَّنِي أؤمِنُ بأنّهم يَسْتطِيعونَ، رغم تصلُّبِهم، أنْ يتغيَّروا من خِلال تَوبة عميقة (metanoi) وَبقوّة الرّوحِ القدُسِ الَّذي سيَجْعَلُهم يَنحنونَ ومن خلالِ صلوات الْمُؤمنينَ. نَحن نصلّي فِي تَجمُّعاتنا إلَى الله ليُحدِثَ هذا التغيّيرَ فِي القَلْب.

ومع ذلك، فَمُشْكِلةُ الانْحناءِ لا تَعْنيهم وَحْدَهم. على كلِّ واحدٍ أنْ يَنْحنِيَ فِي تواضعٍ وحُبٍّ. على شعبِ كلِّ كنيسةٍ أنْ يرغبوا فِي الْمَوتِ عن أنانيَّتهم وعن تصلُّبِهم وحينئذٍ، من خلالِ فعلِ التَّواضعِ والطَّاعةِ للحقِّ هذا، سيضيءُ حضورُ الْمسيحُ فيهم. أؤمِنُ أنَّه بِفِعْلِ التّواضعِ هذا، ستُمْحَى إخفاقاتُ الكنائسِ الغابرةُ والْحاضرةُ وستتحقَّقُ الوَحدةُ. لَم أَفْقِدْ أبدًا الأملَ فِي التَّقرُّبِ من الأُرثوذكسِ ولهذا السَّبب أَحْرصُ دائمًا على العَوْدةِ إِليهم لأقدِّمَ لَهم شَهادتِي. وشَهادتِي هي لتَذْكيرهِم بِكلماتِ الرَّبِّ: "ليكونوا بأجْمَعِهم واحدًا فينا، كَما أنّك فِيَّ، يا أبتِ، وأَنا فيكَ، فليكونوا هُم أيضًا فينا، لِيُؤْمنَ العالَمُ بأنّكَ أنتَ أَرْسلتنِي" (يو 17/21). بِهذِهِ الطَّريقَةِ، وبالرُّغْمِ مِنَ العَقَباتِ، فقَدْ تكوَّنَتْ بعضُ جَماعاتِ الصّلاةِ الْمسكونيَّةِ فِي أثينا ورُودس ضمَّتْ إِليها كهَنةً أُرثوذكسيينَ. تَبْدَأُ كلُّ جَماعاتِ الصّلاةِ هذه بصلاةِ الورديّةِ، ثُمّ بصلواتٍ أُخْرى. ومع ذلك، لَم يكُنْ نَصيبِي مُجرَّد الرَّفض مِنْ قِبلَ الأساقِفَةِ الأُرثوذكسيين (Orthodox hierarchy) للأَسبابِ الَّتِي ذَكَرْتُ آنفًا، فقدْ أَمدَّنِي ربُّنا أيضًا بِعددٍ وافرٍ من الأَصدقاءِ الكهنةِ اليونانيِّين الأَرثوذكسيِّينَ.

 

 

أسقفُ روما

أَعطانِي ربُّنا رؤيًا داخليَّةً عَن ثلاثةِ قضبانِ حديدٍ تَرمزُ إلِى الأجساد الْمسيحيَّةِ الثلاثة الأساسيَّةِ: الكاثوليك، ألأورثوذكس والبروتستانت، يَدْعو فيها رؤوسَهم للإنْحناءِ، إلَى أنْ تلتقِي. ولَكِنْ لتَلْتَقِي، عليها أنْ تَنْحَنِي. يتكلّمُ هذا الْمقطعُ عنِ الْمَوقفِ المُتوجِّب لبلوغِ الوَحْدةِ الَّتِي يتوقُ إِليها الرَّبُّ منذُ صلاتِه إِلَى أَبيه "فليكونوا بأجْمعهم واحدًا." هذا المقطع من رسائل "الحياة الْحقيقيَّة في الله" لا يقصدُ التكلُّمَ عَنِ الْوَحدَةِ على مُستوًى وجوديٍّ (Ontological level مُشيرًا إلَى أنّه يَجِبُ ألاّ يكونَ فروقاتٌ بَيْنَها ما دامَتْ قَدْ حَفِظَتْ الحَقيقةَ الَّتِي سَلَّمَها الْمسيحُ لِكَنيستِهِ. ولَيسَ صَحيحًا أَنّنِي أدَّعِي بأنَّ هذه الدَّعوةَ إلَى التَّواضعِ بين الإخوةِ الْمسيحيِّينَ يَجِبُ أنْ تَتَضَمَّنَ مُقاربةً مسيحيَّةً كليَّةً للوَحدةِ وبأنَّ الوَحدةَ يَجِبُ أنْ تسلُكَ خطَّ الْمُساوَمَةِ على الْحَقِّ (كتاجرٍ يبيعُ ويشْتري) مؤدِّيةً إلِى تَسويةٍ ونِسبيَّةٍ فِي الْحَقِّ. على العكسِ، لَقَدْ تكلَّمتُ دائمًا عن أهَمِّيةِ بقائنا أمناء للحقِّ، وحتّى أكثَرَ من كلامِي، إِنَّ الرِّسالةَ ليستَ إلاّ دعوةً لِلْعيشِ بِحقيقةِ الإنْجيلِ فِي وَحْي الْمسيحِ الواحد، كَما وردَ أعلاه. إِنَّ الكتاباتِ تتضمّنُ تَحذيراتٍ عديدةٍ ضدَّ الْموقفِ الْمعاكسِ إلَى حدِّ وَصْف "المسكونيّة المزيَّفة" كَحصانِ طروادةَ، بتقديِمِ صورةً غيرِ حيَّةٍ للمسيح:

 

هَذَا الوَجْهُ الْمُلَطَّخ بِأَلْوَانٍ مُتَنَافِرَةٍ، هَذَا الوَجْهُ الَّذِي يُحَاوِلُ هَؤُلاءِ التُجَّارِ أَنْ يَجْعَلُوكُم تُكَرِّمُوْنَهُ وَتَتْبَعُونَهُ، لَيْسَ أَنَا هُوَ. إِنَّهُ اخْتِرَاعُ مَهَارَةٍ بَشَرِيَّةٍ فَاسِدَةٍ لِِيُحِطُّوا مِنْ مَفْهُومِ قَدَاسَتِي وَأُلُوهِيَّتِي، إِنَّهُ مَسْكُونِيَّة زَائِفَة، إِنَّهُ تَحَدٍّ لِكُلِّ مَا هُوَ مُقَدَّسٌ. إِنِّي أَتَأَلَّمُ بِسَبَبِ خَطَايَا هَؤُلاءِ التُجَّارِ (22/10/1990).

 

رسائلُ كثيرةٌ عنِ الوِحْدَةِ تُحافظُ على هذَين المظهرين الحيويَّينِ معًا للمَسكونيَّة: ألموقفُ الرُّوحيُّ الْمُتَضَمِّنُ التَّواضعَ والْحُبَّ تِجاهَ المسيحيِّينَ الآخرينَ، مع البحثِ غير القابل للمُساومَة عَن حقيقة الْمسيح. مثلٌ على ذلك، مقطع تتحدَّثُ فيه العذراءُ مرْيَمَ عن مكوِّناتِ الوَحْدةِ:

 

إِنَّ ملكوتَ اللهِ ليسَ مُجرَّدَ كلماتٍ على الشِّفاه، ملكوتُ الله هو حُبٌّ، سَلامٌ، وَحدةٌ وإِيْمانٌ فِي القلب. إنّه كنيسةُ الرَّبِّ متَّحِدة فِي واحدٍ داخلَ قلبكُم. إِنّ مفاتيحَ الوَحدةِ هي: أَلْحبُّ والتَّواضعُ. إنَّ يسوعَ لَم يُلِحَّ أَبدًا عليكم لتُقسِّموا أَنْفسَكم – هذا الإنقسامُ فِي كنيستِه لَم يَكنْ رغبتَه. (23/9/1991).

 

فِي مَوضِعٍ لاحِقٍ مِنَ الْمَقطعِ نَفْسِه، يَتَكلَّمُ يسوع عَنِ الْحَقِّ:

"دافعِي دائمًا عن الْحقِّ حتّى الْمَوتِ. ستُهانين من وقتٍ لآخرَ، لكنْ سأسْمحُ بِما يَكْفِي لتُحْفَظَ نفسُك نقيّةً وطيِّعةً". (مكررة فِي 5/6/1992 ، 25/9/1997، 22/6/1998، الخ.)

لَقَدْ كانَ لِي بعضُ اللّقاءاتِ مع كهنةٍ كاثوليك فِي الولاياتِ الْمتَّحدةِ، وهولندا وسويسرا، وبشكلٍ خاصٍّ مع مَنْ هُم مُتحرِّرون في آرائهم ويُناهضونَ بِشِدَّةٍ البابا. كانَ عليَّ أنْ أُدافعَ عن كُرْسيِّ بُطرسَ وأُفسِّرَ ذلك لَهم بِقَدْرِ ما أَسْتطيعُ مِنِ خلالِ رسائلَ قويَّةٍ صَدَرَتْ عن الْمسيح، تُبَيِّنَ لَهم كَمْ كانتْ عقولُهم مُشوَّشةً. فِي النّهايةِ أتَى كثيرٌ من هؤلاءِ الكهنةِ إلَيَّ لِيقولوا لِي كَم قدَّروا هذه التَّوضيحاتِ. ولَكِنْ وُجِدَ شخصٌ أو إثنانِ لَم يكونا موافقينَ، فقالا لِي بأنّنِي أَكثرَ كاثوليكيَّة مِنَ الكاثوليك... مع أنّه يوجدُ مقاطعُ كثيرة عنِ الوَحدةِ تَلْحَظُ الوَحدةَ بين الكنائسِ، هناك أَيضًا عددٌ لا بأسَ به مِنَ الْمقاطعِ كُتِبتْ خصّيصًا لِمجموعةٍ من الكهنةِ الكاثوليك الَّذين يتَمرَّدون على البابا لإعادتِهم إلَى الوَلاءِ له. هنا مثلٌ من بدايةِ الكتابات:

أنا الرَّبُّ، لا أريدُ أيّ انقِسامٍ في كنيسَتي. لأجلي، ستتَّحِدون وتَحتَ اسمي سَتُحِبّونَني وتَتبَعونَني وتَشْهَدون لي. ستُحِبّون بَعْضُكُم بَعْضًا كما أنا أُحِبُّكُم؛ ستَتَّحِدون وتُصبِحون قطيعًا واحِدًا لِراعٍ واحِدٍ[8]. كما تَعلَمون جميعَكُم، لقد اخترْتُ بُطْرُسَ وأَعْطَيْتُهُ السُّلْطانَ. كما تَعلَمون جميعُكُم، لقد أعْطيْتُهُ مفاتيحَ ملكوتِ السماوات. لقد سأَلْتُ بُطْرُسَ أن يَرعى خِرافي ونِعاجي وأن يحْفَظَها. أنا هو مَن مَنَحَ هذا السُلْطانَ. ما كنتُ أريدُ أن تُغَيِّروا مشيئتي (19/3/1988).

 

رسالةٌ أُخْرى تتكلّمُ عن مُستقبلِ الوَحدةِ وتُبْرزُه حتّى بشكلٍ أَوضحَ:

 

سأَضَعُ حينئذ في يَدِ بطرسَ صولجانًا مِن حَديد يَحفَظ بِهِ نِعاجي، وإلى الّذين لا يَعلَمون وما زالوا يَتَساءلون: "لماذا يَجِب أن يكون لنا قائدٌ؟" أقولُ لَكُم هذا: هل رأيتُم أو سمِعْتُم قط بِقَطيعٍ دون راعٍ؟ أنا راعيكم الإلهي وقد اختَرْتُ بطرسَ ليَرْعى خِرافي حتّى عودتي. لقد حمّلتُهُ المسؤوليّة.    لِماذا إذًا كلُّ هذه الخصومات؟ لِماذا كلُّ هذه المُجادلات غيرِ المجْديّة؟ وإلى كلِّ الَّذين ما زالوا يَجهلون كَلِماتِي، أقولُ إقرأوها في الكتابِ المُقَدَّس، فَتَجِدونَها في شهادة يوحنّا، تلميذي[9]. سأوَحِّدُ إذًا كنيستي، وسأُحوِّطكم بذِراعَيّ في قطيعٍ واحدٍ، لأنّكم في وصفِكم اليومَ، أنتم جميعًا مُشتَّتون، تُشكِّلون الكثيرَ مِن الجماعات والإنقِسامات. لَقَد مزَّقتُم جَسَدي وهذا لا يُعقَل أن يحدثَ[10]! سأُوَحِّدكم جميعًا (16/5/1998).

 

رسائل أُخْرى تتَكلَّمُ عنِ البابا كنائبِ الْمسيحِ أو كنائبِ الكنيسةِ. هذا أَحدُ الأمثالِ:

صَلُّوا للكنيسةِ جَمعاء، كونُوا بَخورَ كنيسَتِي وأَقصِدُ بِذلكَ أَنْ تُصَلُّوا لِكلِّ الَّذينَ يُبَشِّرون بِكلمَتِي، مِنَ النَّائب الَّذي يُمَثِّلُنِي إلى رُسُل وأَنبياءِ أَيَّامكم، مِنَ النُّفوسِ الكهنوتيَّةِ والرّهبانيَّةِ إلى العلمانيِّين، لِكي يُؤهَّلوا لِيَفهَموا أَنَّكم، جَميعَ مَن ذكرتُ،  جزءٌ من جَسَدٍ واحِد، جَسَدي... (10/1/1990؛ مزيد من الْمراجع فِي 1/6/1989، 2/3/1990، 10/10/1990، 18/3/1991، 20/4/1993، 20/12/1993، 15/4/1996، 22/10/1996، 20/12/1996).

 

لا تِحْتوي الكتاباتُ على إشارَةٍ تدلُّ كيف يَرْتِبِطُ دورُ بطرس بأدوارِ الكَرَاسيّ البطريركيَّةِ الْمتنوِّعةِ، ولذلك لا أَسْتطيعُ التَّحدثَ عن ذلك. لكنَّنِي مُدْركةٌ بأنَّ البابا نفسَه فِي رسالتِه التَّعميميَّة "Ut unum sint" يفتحُ نِقاشًا من هذا النّوعِ:

 

معَ ذلك، إِنّ الأَمرَ ذُو مَغْزىً ومشجِّعٌ، بأنَّ مسألةَ أولويَّةِ أُسْقفِ روما قَدْ أَصبَحَتِ الآنَ موضوعَ دَرسٍ، فإِمّا أَنْ يَجري الآنَ مجراها وإمّا ستكونُ فِي الْمستقبلِ القريبِ. وَكَذلك، فأنّه ذو مَغْزًى ومشجِّعٌ أنْ يَتمَّ تَدَاولُ هذه الْمسألةِ كَموضوعٍ أَساسيٍّ ليسَ فقط فِي الْحِواراتِ اللاّهوتيةِ الَّتِي تتَشاركُ فيها الكنيسةُ الكاثولكيةُ مع الكنائسِ الأُخرى والْجماعاتِ الكنسيّةِ، بل أيضًا بوجهٍ أَعمَّ، فِي الْحركةِ الْمسكونيّةِ ككلٍّ. أَقدَمَ الْمندوبونَ مؤخَّرًا بِتَوصيَةٍ إِلَى الاجتماعِ العالَميِّ الخامسِ للجنةِ الإِيْمانِ والنِّظامِ فِي مَجلس الكنائس العالَمي، الْمنعقد فِي سانتياغو دي كومبوستيلا،  Santiago de Compostela، بأنَّه على اللَجنةِ "أنْ تبدأَ بدراسةٍ جديدةٍ لِمسألةِ الدّور الشّاملِ لوَحدةِ الْمسيحيِّين". بعد قرونٍ من الْخلافاتِ الْحادّةِ، أَخذَتِ الكنائسُ الأُخرى والْجماعاتُ الكنسيَّةُ تتناولُ أَكثرَ فأكثرَ، بنظرةٍ جديدةٍ، دورَ الوَحْدةِ هذا[11].

 

تُؤَكِّدُ الرِّسالةُ التَّعميميَّةُ نفسُها على ضرورةِ تَوحيدِ الشَّرق والغَرْب، مع إبقاءِ الفُرُوقات بين هَاتين الْطائفتَينِ بينما هُما فِي شراكة تامَّةٍ:

بالنَّظرِ إِلَى كلّ ذلك، إِنَّ الكَنِيسَةَ الكاثوليكيَّةَ لا تَرغَبُ بغير الشراكةَ التّاَمةِ بين الشرقِ والغربِ. فَهي تَسْتوحِي ذلك من تَجربةِ الألِف الأَوَّلِ. فِي هذه الفترةِ، بالفِعْلِ، "لَم يَمْنَعْ نُموُّ اختباراتِ الحياةِ الكَنَسِيَّةِِ الْمُخْتَلِفةِ الْمسيحيّينَ، من خلالِ العِلاقاتِ الْمتبادَلةِ، مِنَ الإِسْتِمْرارِ فِي تَأْكيدِ شعورِهم بأنَّهم فِي بَيْتِهِم فِي أَيّةِ كنيسةٍ، لأنّ تسبيحَ الآبِ الواحدِ، بالْمسيحِ فِي الرُّوح القدسِ، يَرْتَفِعُ منهم جَميعًا، فِي تَنوُّعٍ مُدْهشٍ مَنَ الأَلسِنةِ والألْحانِ؛ كانوا كلُّهم يَتَجمَّعون معًا لِيَحْتَفِلوا بالإِفْخارستيا، قَلْب الْجماعةِ ومِثالِها، ليسَ فقط بالنسبةِ للرّوُحانيةِ والْحياةِ الأَخْلاقيَّةِ، بل أَيضًا لِبنْية الكنيسةِ، فِي تَنوِّعِ الواجبات والْخَدمات بقيادةِ الأُسْقفِ، خليفَةِ الرُّسلِ. أَلْمجامعُ الأُولَى هِيَ شَهادةٌ بليغةٌ لِهذه الوَحْدةِ المُسْتَمِرَّةِ فِي التنوّعِ."[12]

مع أنَّ الكتاباتِ لا تتَكلّمُ عن قَضَايا بِنْيويَّةٍ تتعلّقُ بالشَّرقِ والغَرْبِ، فهُناكَ مراجعُ عديدةٌ تتناولُ أَهَميَّةَ الكنيسةِ الشَّرْقيّةِ. بذلك، فإنَّ التّأكيدِ غيرَ القابلِ للمُساومةِ لأَهميةِ دور بطرسَ تَزَامنَ، فِي رسائل لاحقَة، مع تبصّرٍ بأنَّ الْتجدُّد الرُّوحِي يُمكنُ أنْ تُوحِي به الكنيسةِ الشرقيَّةِ. حتّى إِنَّه يَتَّضحُ بذلك أكثر لِماذا يَحْتاجُ جسدُ الْمسيحِ أنْ يتنفَّسِ بكلا رئتَيه – أَي بالْحضورِ الغربّي والشَّرقّيِّ للكنيسةِ:

"يا بيتَ الغربِ، لقدْ أَدرَكْتَ، مِن خلالِ نورِ روحِي، بأنًَّ الجسدَ يَحْتاجُ إِلَى رِئَتيهِ ليتنفَّسَ بِحُرِّيةٍ، وبأنَّ جَسَدي غيرُ كاملٍ برئةٍ واحدةٍ؛ صلِّ حتّى يَجْمعَكُم روحِي الْمُحيي معًا، لَكِن كَم عليَّ أنْ أتأَلَّم قَبْلَ ذلك![13]"(27/11/1996)

 

رسالةٌ ثانِيَةٌ مُماثِلَةٌ:

"صَلِّي كَيْ ينضمَّ بَيتُ الشَّرقِ وبيتُ الغَرْب معًا، كَما تتَّحِدُ اليَدَانِ فِي الصَّلاةِ؛ كما يتَّحدُ زَوجُ يدَين، مُتَشابِهتينِ، وكُلُّهُما جَمالٌ باتَّجاهِ السَّماءِ للصَّلاة. لِتَعْمَلْ وتُشاركْ أَيدي الجَسَدِ نَفْسِه معًا في قدراتِها ومَوارِدِها مع بَعضِها البَعض... لتَرْفعْنِي هاتَان اليدان معًا..." (15/6/1996)

 

رِسالةٌ أُخْرى تتكلَّمُ عن دورِ الشَّرقِ فِي جَمْعِ البيتينِ معًا مُجَدَّدًا، لِتَوحيدِ جَسَد الْمسيحِ:

"أَصْغِي وَاكْتُبِي: سيُشْرِق الْمَجدُ مِن ضِفَّة الشّرق. لِذلك أَقولُ لِبَيتِ الغَرْبِ: إلتَفِتْ نَحْوَ الشّرقِ، لا تَبْكِ بِمَرارةٍ كُفرَ وخَرابَ بيتِكَ؛ لا تَستَسلِمْ للذُّعر، لأَنَّك غدًا ستأكلُ وتَشْربُ مع بُرْعُمِي في ضِفَّةِ الشّرق. إنَّ رُوحِي سَيَجْمعُكُما. ألَم تَسْمعْ بِأَنَّ الشَّرقَ والغَرْبَ سيكونان مَمْلكةً واحدةً؟ ألَم تَسْمَعْ أنَّه يُمكنُ إِرضائِي بتاريخٍ واحدٍ[14]؟

سأمدُّ يَدِي وأَحْفِرُ على عصًا هذه الكلماتِ: أَلضفَّةُ الغربيّةُ، بيتُ بطرسَ وكلُّ الأَوفياءِ له؛ بَعْدَ ذلك، سأَحْفِرُ على عصًا ثانيةٍ: "ألَضفّةَ الشّرقيّة، بيتُ بولسَ، مع كلِّ الأوفياء لَه. وعندما سيقولُ أَعْضاءُ هذين البيتين: ياربِّ، قلْ لنا ماذا تَعْنِي الآنَ"، سأَقولُ لَهُم: "سآخذُ العصَا الَّتِي حَفَرْتُ عليها اسْمَ بولسَ مع كلِّ الأوفياءِ لَه وأضعُ عصا بطرسَ والأَوفياءَ لَه بِعصا واحِدَة. سأصْنعُ منَ الإثنينِ عصًا واحدةً وسأُمْسِكُ بِهما كواحدةٍ؛ سأربطُهما معًا باسْمِي الْجديدِ؛ وهذا سيكونُ الْجِسْرَ بين الغَربِ والشّرقِ. إِسْمِي القدُّوسُ سَيربِطُ الْجِسْرَ حتّى تَتَبادَلوا مُقْتَنَياتِكم عِبْرَ هذا الْجسر – لَنْ يُمارِسا مُنفَردينَ بعدَ الآن، بل معًا، وسأمْلِكُ على كِلَيهما.

ما خَطَّطتُ له سَيَحْدثُ، وإذا قالَ لكِ البشرُ، يا ابنَتِي، بأنَّ هذه العلاماتِ ليسَتْ منّي، فَقُولِي لَهم: "لا تَخَافوا – ألَم تَسْمَعوا بأنَّه الْمَقْدسُ وحَجرُ العَثْرةِ أَيضًا؟ أَلصَّخْرةُ التِي تستطيعُ أَنْ تَهدِمَ البيتَينِ، غير أنَّها تُقِيمُهما مُجدَّدًا كبَيتٍ واحدٍ"
(24/10/1994).

مُجددًا، هذه الرِّسالةُ لا تَنْتَقِصُ من دورِ بطرسَ وسُلْطَتِه، لكنَّها تُلْقِي الضوءَ على أهميَّةِ اتِّحاد أَجزاءِ جَسدِ الْمسيحِ الشّرقيّةِ والغربيّةِ حتّى يُؤْمنَ العالَمُ.

 

مُسْتقبلُ الوَحدةِ الْمَسيحِيَّة

بِرُغمِ أنَّ الرِّسالةَ تُؤكِّدُ أَولويَّة بطرسَ، أُسْقفِ روما، والْمُعْتَرفَ بِها فِي التَّقليدِ الأُرثوذكسيِّ والكاثوليكيّ معًا، فَهي لا تتكلَّم عنِ المسائل القَضائيَّةِ. أَعْتَقِدُ بأنَّنِي لَمْ أُدْعَ لأتكلّمَ عن هذه الْمَسألةِ، فلذلك، أَمتَنعُ عن الكلامِ عنها بأيّةِ طريقَةٍ.

إنَّ دَعْوتِي هي لتأكيدِ أهَمِّيَةِ البابا وللدِّفاعِ عن كرسيِّه ضدَّ الَّذين يَميلون إلَى عصيانِه والتَّمرُّد عليه، في الوَقتِ الَّذي يُلهمُ به إنشاء الوَحدَة وتقوِيَة بُنيانِها الدّاخليةِ. إنَّ مُقاربتِي الأَساسيَّةَ للوَحْدة هي مقاربةُ الوَحدةِ مِن خلال الرُّوحانيةِ. ألرّسالةُ هي دعوة للوَحدةِ منْ داخلِنا ومن خارِجِنا معًا – دعوةٌ لتقويةِ دِيناميكيّاتِ الوَحدَةِ الرّوحيةِ، داخلَ الكنائسِ الْخاصَّةِ وفِي ما بينها.

لا أَعلمُ ماذا سَتُشابِهُ البُنْياتُ الْمستقبليَّةُ للكنيسةِ الْمُوحَّدةِ، كَما أَنَّ الرَّبَّ اخْتارَ ألاّ يتكلّم عن ذلك، ولَم يَمُنَّ عليّ بأيِّ نورٍ بِهذا الشأنِ. لكِنْ أَعْتقدُ أنَّ ذلك سيتمُّ عَن طريقِ الرّوحانيَّةِ؛ وأَعْتقدُ أنَّنِي قَدْ مُنِحتُ مَذَاقًا أَوَليًّا لنِعمةِ الوَحدةِ الْمستقبليَّةِ هذه، فِي تَجَمُّعاتٍ مَسْكونيةٍ مُتَعدِّدَة.

مثلاً، فِي شهرِ آذار 2000 ، سَمَحَ الرَّبُّ لِجماعاتِنا، جَماعاتِ الصَّلاةِ، أَنْ تَلتقيَ فِي مكانِ مَسقطِ رأسِه، بيتَ لَحم. أَتَى 450 شخصًا من كلِّ مكانٍ، نَعَمْ، من أكثرَ من 55 بلدًا ومن 12 كنيسةً مُختلفةً أَتوا إلَى لِقاءِ صلاةٍ دُوَلِيٍّ من أجل السَّلام والوِحْدَةِ. إجْتَمَعْنا كعائلةٍ واحدةٍ. كانَ معنا 75 من رجالِ الدِّين أَتَوا أيضًا من 12 كنيسة مُختلفة وكذلك كهنةٌ آخرونَ من الأَرضِ الْمقدّسةِ انضّموا إلينا، عندما سَمِعوا بِهذا اللِّقاءِ للصّلاة. هذا الْحدَثُ الْمَسكونِيُّ نسّقَه يهودٌ وفلسطينيونَ كانوا قدْ تأثَّروا بكتاباتِ "الْحياة الْحقيقيَّة فِي الله". آمنوا بِفِداءِ الْمسيحِ وبِخُطَّته الْخلاصيّةِ فِي أيامِنا وتطوَّعوا لِيُنَظِّموا هذا اللقاء. عندما نَعلمُ كيف أنَّه، فِي أَيّامِنا، يقاتلُ اليهودُ والفلسطينيّونَ بعضهم البعضَ، فإنَّ مُصالَحتَهم هي علامةٌ لِقُدْرةِ الرُّوح القُدُسِ الَّذي جَمَع هذَين الشّعبين لِتَنظيمِ لِِقاءٍ لِلسَّلامِ بَينَ الْمَسيحيِّين الْمُنْقَسِمين. كَما تقولُ الكُتُبُ: "ثَمرَة البرّ تُزرَعُ في السَّلام للَّّذينَ يَعمَلونَ لِلسَّلام." (يعقوب 3/18) هذا درسٌ لنا جَميعًا.

لَقَدْ عِشْنا وتَذَوَّقنا طَعْمَ ما سَتكونُ عليه الوَحْدةُ يومًا ما بَيْنَ المَسيحيِّين. أُلْقِيَتْ علينا خُطبٌ حولَ الوَحْدةِ من كهنةٍ يَنْتَمونَ إلَى كَنائسَ مُخلتفةٍ. دَوتْ خُطَبُهم وكأنَّها صَدرَتْ عن صوتٍ واحدٍ وفِكْرٍ واحِد. خِلال مُحادَثاتِهم، شَعَرْنا بِرَغْبَةِ الجميع القَويَّةِ في أنْ نَكونَ واحِدًا. رأَيْنا وَشَهِدْنا تَوْقَ العِلمانيّين والكهنَة للوَحْدةِ. لكنَّنا شَعَرْنا، في آنٍ معًا، بالجِراحِ الخارجيّة البالغة الَّتِي سبَّبها انقسامُنا في  جَسدِ الْمسيحِ السِّريِّ.

تَعِبَتْ  أغلبِيَّتنا من هذا الانقسامِ، لأنّه لا يَنْسجِمُ مع الْحُبِّ، شريعةِ ربِّنا. حتّى أَنَّ الْمسيحَ هو أكثرُ إِرْهاقًا لرُؤْيتِنا منقَسمين. إِنَّ تَهاليلَ وهُتافاتِ الفرحِ لكلِّ هذه الأُمُمِ الَّتِي كانت مُتكاتِفةً معًا، وهي تُنادي بِوَحْدةٍ كاملةٍ بين الْمسيحيينَ، كَشَفتْ بأنَّ هذا الانقسامَ ليسَ فَقَطْ إِثْمًا بل أيضًا شهادةً كاذبةً. فَوْقَ ذلك، إِنَّ الْخطيئةَ العُظْمى ضدّ الوَحدةِ هي أَنْ تكونَ تواريخُ الفِصْحِ متفرِّقة. ما أجْمَلَنا، عندما نَهتِفُ معًا: "أَلْمسيح قامَ!" جَميعُنا بصوتٍ واحدٍ، وفِي يومٍ واحدٍ. نقولُ جَميعُنا: "لتكنْ مشيئتُك فِي السّماء كذلك على الأرْض..." يسوعُ الْمسيحُ، وحّدَنا معًا بدمِه، فَكيف يُمكنُ لأحدِنا إِذًا أنْ يُنْكرَ هذه الوَحدةَ؟ "إنّه السلامُ في وسطنا، وَقد جَعَل من الأُمَمِ واليَهودِ جَماعةً واحدةً، وهَدَمَ فِي جَسَدِه الْحاجزَ الذي يَفْصِلُ بينهما، أيْ العداوةَ، وأَلْغى شَريعةَ الوَصايا وما فيها من أَحْكامٍ." (افس 2/14 – 15) كيفَ يُمْكنُنا أنْ نقولَ "لا" لله، عندما يُريدُنا أنْ نَتَوحَّدَ؟ هل أمكن ذلك، لأنَّ قلوبَنا قدْ قَسَتْ؟ هل نسينا كَلِماتِ الأبِ الأقدسِ فِي قَوْلِه: "إنَّ العَناصِرَ التِي توحِّدُنا أكثرَ بكثيرٍ من الَّتِي تفرِّقُنا؟" لِذا علينا أن نَأْخُذَ هذه العَناصِرَ ونستعملَها لنمهِّدَ الطّريقَ إلَى وحدةٍ كاملةٍ.

 

أَلإِفْخارستيا الْمقدَّسةُ والْمُشاركةُ في القُرْبان

 

يُقالُ فِي التَّعليمِ الْمسيحيِّ للكنيسةِ الكاثوليكيَّةِ، بِالعودة إلَى القدِّيس أُغسطينوس، فيما يَخصُّ ألإفْخارستيا:

أمام عَظَمةِ هذا السِّرِّ (أَلإِفْخارستيا الْمقدّسة) يَهْتِفُ القدِّيسُ أُغسطينوس: "يا لِسرِّ التَّقوى! يا لِعلامةِ الوَحْدةِ! يا لِرباط الْمحبَّةِ!" كلَّما تفاقَمَ شُعورُنا بألَمِ الإنْقساماتِ التي تُفسِّخ الكنيسةَ وتُصدِّعُ اشتِراكَنا فِي مائدةِ الرَّبِّ، إِزْدادتْ أَدْعِيَتُنا إلَى اللهِ لَجاجةً لتعودَ أَيَّامُ الوَحْدةِ الكاملةِ بين جَميعِ الْمؤمنين به (فقرة 1398).

يَحثُّنا الرَّبُّ على أنْ نَتَصالحَ ونَتَّحِدَ. وكما قال مُؤَخَّرًا أحدُ الكَرادِلة الكاثوليك المَعروفين إلى كاهن أرثوذكسيٍّ، صَديق لي من نيويورك حضرَ قدّاسَ الكاردينال فِي روما، وهكذا هي قناعَتِي، بأنّه يِجبُ أنْ يكونَ مُمكنًا أنْ نَحصلَ مُجدَّدًا على هذه الوَحدَة حولَ طاولةِ الرَّبِّ بين الكاثوليك والأُرثوذكس بِما أنَّنا نَتَقاسمُ الأَسرارَ نفْسَها ولنا، فِعْليًّا، الإيْمانُ نفسُه، وإنْ كانتْ تعابيرُ الإيْمانِ والعبادة مُختلفةً. لقد اختبرتُ، مِن الْحُبِّ الْملتهبِ لربِّنا، أَعْماقَ رغبته فِي الوَحْدةِ الكاملةِ لِجَسَدِه، وآمنتُ أنَّه يتألّمُ من نَقْصِ حبِّنا وشراكتنا. لذلك لا رغبةَ لَديّ أَكثر مِن أنْ أَرى جسَده موَحَّدًا ثانيةً وأَنا مُقْتَنِعةٌ بأَنَّنا نَحنُ، ألْمسيحيِّين، إذا كنّا حقًّا نُحِبُّ يسوعَ الْمسيح، علينا أَنْ نَعْملَ بكلِّ طاقتنا لِمُصالَحةِ أَعضاء جَسدِ الْمسيحِ الْمُنْفصلةِ.

فِي غُضونِ ذلك، أَعلَمُ بأَنَّ هذه الوَحْدةَ لن تأتِي بِسُهولةٍ بل فَقطْ بِمُعجزةٍ من ربِّنا. لَكِن بالرُّغم من أنَّ عَليْنا أنْ نَفْعَلَ كُلَّ ما بِوسْعِنا ، لنَدْفعَ الوَحْدَةَ إلَى الأمامِ، فقد وعَدَنا بأَن يَمنحَنا هذه الوحدةَ التِي ستكونُ عَمَلَ الرّوحِ القُدسِ إذ، كَما سَبقَ وقُلْتُ فِي 1992، سَتَأتِي مُفاجِئةً كَسُقوطِ حائطِ بِرْلين:

"أَلرَّحمةُ والعَدلُ يقومان بِعَجائِبَ كما لَمْ يَسبِق لَها مَثيلٌ منذ أَجيالٍ عَدِيدة... والوَحدَةُ سَتَطلعُ عَليكم كالفَجرِ وبِطريقة مُفاجئةٍ مثل سُقوطِ الشُّيوعيَّة. سَتأتِي مِن اللهِ وسَتُسمِّيها أُمَمُكم المعجزَةَ الكبرى، أليوم المُبارَك لِتاريْخِكم..." (10/1/1990)

إِنَّ كنيسةَ الْمسيحِ هي واحدةٌ بِمَعْنى أنَّ الْمسيحَ هو واحدٌ وله فقط جسدٌ واحدٌ مقدَّسٌ. إنَّهاّ شعبُ الكنيسةِ الْمُنْقَسِمُ. إذا استطاعَ الْمسيحيونَ أنْ يَتَخطَّوا العَقَباتِ السَّلْبيةَ التِي تُفَرِّقُهم، أَلعقباتِ التِي هي، وَفْقًا لِلْكُتاب المُقَدَّس، ضِدَّ تَحْقيقِ وحْدَةِ الإيْمانِ والْحُبِّ والعِبادةِ فيما بيننا، فَإنَّ الآب سيسمعُ الصَّلاةَ التي سَبَقَ وَعبَّرَ عَنْها ابنُه الإلَهي، عندما قالَ: "فليكونوا بأجْمعِهم واحدًا:كما أَنَّك فِيَّ، يا أبتِ، وأَنا فيك. فليكونوا هم أيضًا فينا ليؤمنَ العالَمُ بأنَّك أنتَ أَرْسلتَنِي." (يو 17/21).

بانْتظارِ هذه النِّعمةِ، أَتبعُ، بِقَدرِ ما أَستَطيعُ، مَبادِئ الوَضْعِ الْحالِيِّ للأمُورِ، وإنَّنِي مُقْتَنعةٌ بألاّ أَتعدَّى على ضميرِ أَعضاء أيّةِ كنيسةٍ.

جاءَ فِي السُّؤالِ ما يَلِي: "مع ذلك، يَشعرُ أَحدُنا، بعضَ الأَحيان، وهو يَقرأُ أَعمالَكِ، بأنّكِ تَقِفِينَ فَوق الكَنيسَتين دونَ الالْتِزام بأيٍّ منهما...". لَيسَ هناك أيُّ شيء فِي العَمَلِ المكتوب يَتركُ مَجالاً للشّعورِ بأنَّنِي فَوْقَ الكنيستَين. وكَما جاءَ فِي ما كتَبْتَ، يَبدو بأنَّ المقصودَ هو أَكثرَ على الْمُسْتوى العَمَليِّ.

فيما يَخصُّ الطريقةَ التِي أُمارِسُ فيها إيْمانِي، إِننِي أَرثوذكسيّةٌ ومُلْتزِمةٌ كلِّيًا بِكَنِيسَتِي. وكُلّما وُجِدَتْ كنيسةٌ أَرْثوذكسيَّةٌ قريبَة، فإنَّنِي لا أتغيَّبُ أبدًا عن المشاركةِ بقدَّاس الأحد فيها، إلاّ، طبعًا، في حال ليس هناك واحدًا، كما كان الحالُ في داكّا (بنغلادش) حيث عشتُ. قَبْلَ مَجيئي إلَى روما، حيث أَعيشُ الآن، قضيتُ 11 سنةً فِي سويسرا. كنتُ أَذهبُ كلَّ أَحدٍ، إلَى كنيستِنا الأُرثوذكسيةِ وكاهنُ لوزان اليونانِيُّ، الأبُ الكسندر ايوسيفيدس، هو شاهد لي، بالإضافة إلى الْمؤمنينَ الذين كانوا فِي الكنيسةِ ورَأونِي بانتظامٍ، إلاَّ طبعًا عندما أكون مُسافرة.

وَفِي الْخارجِ، خِلالِ سَفَري، عندما كان يُعدُّ لِي برنامَجٌ لأَتبعه وأقدِّمَ أحيانًا شَهادتِي، وأُريدُ أنْ أضيفَ، أنّه كان يَحْدثُ، وهذا بالأحرى نادرٌ، أنَّ الكهنةَ الكاثوليك أو الأساقفةُ الْمحلِّيينَ الَّذين دعُونِي لأَتكلّم، قد نظَّموا قُدّاسًا عامًا يُحْتَفَلُ بِهِ في المَكانِ نَفْسِهِِ حَيْثُ تكلَّمتُ. حينئذٍ أَبْقى مع الشّعبِ للقدّاسِ، كما هو واردٌ فِي البرنامِج وأقبلُ الْمناولةَ الْمقدّسةَ هناك.

هُنا فِي روما أَعيشُ خارج وَسَط الْمدينةِ وبعيدًا جدًّا عن كَنِيسَتِي اليونانيَّةِ الأُرثوذكسيَّة الكائنةِ فِي وَسَط روما. هُناك كنيسةٌ أُرْثوذكسيَّةٌ سَلافيَّة فِي تريفونتاني “Tre Fontane”، الَّتِي تَردَّدتُ إليها، لكنّي لا أَفهمُ اللغة. ولذلك أَسْمحُ لنَفْسي، من وقتٍ لآخرَ، وبِما أَننِي أَقْضِي نِصفَ الوَقْتَ فِي السَّفرِ، بأنْ أَقبلَ الْمناولةَ الْمُقدَّسَةِ فِي معْبدِ "سيِّدة الْحُبِّ الإلَهيّ" الَّذي يَبْعدُ 3 كلم عن بَيتِي.

أَعْتَقدُ بأنَّ الْمجمعَ الفاتيكانِي الثانِي يَسْمحُ لِي بِذلك كما هو مكرَّرٌ فِي التَّعليمِ الْمسيحيِّ للكنيسةِ الكاثوليكية، عندما يقول: "إنَّ بعض الإشتراك في الأقداس وبالتالِي فِي ألأَفخارستيّا، فِي الأَحوالِ الْمؤاتية، وبِموافقةِ السُّلطةِ الكنسيَّةِ، ليس هو فقط فِي حُكْمِ الْمُمْكنِ، بل في حُكم المُحبَّذِ أيضًا" (فقرة 1399).

لَقدْ جاءَ في مَرسومِ الفاتيكان الثَّانِي حَولَ "الكنائس الشّرقيةِ[15]" ما يلِي: "عندما، بِحُسنِ نيّةٍ، يطلبُ الْمسيحيُّونَ الشَّرقيُّونَ الْمُنْفصِلونَ عنِ الكنيسةِ الكاثوليكيَّة، من تلقاءِ نفْسِهم وَهُم مُستعدّون حقًّا، يُسمحُ لَهم بالتقدُّم من أسْرارِ التَّوبة والإفْخارستيا والْمِسْحة..."

 

 

يقولُ الحقّ القانوني الكاثوليكي" The Catholic Code of Canon Law":

 

يَستَطيعُ الكهنةُ الكاثوليك، شَرْعًا، أنْ يَمْنَحوا أَسرارَ التّوبةِ والإفْخارستيّا ومَسحةَ الْمرضى إِلَى أَعضاء الكنيسة الشّرقيةِ الَّذينَ لا شَراكةَ تامَّةَ لَهم مع الكنيسة الكاثوليكيَّة، إذا طَلَبوا ذلك من تلقاء نَفسِهم وهم مستعدّون حقّا. وهذا يَصحُّ أَيضًا لأعضاءِ الكنائس الأُخْرى، الّذينِ هم، في حكْمِ الكرسيِّ الرَّسولِيِّ، في نَفْسِ وَضْع الكنائس الشَّرْقِيَّةِ، فيما يَختصُّ بالأسرارِ
 (قاونون 844
فقرة 3).

تواصِلُ رِسالة البابا يوحنا بولسُ الثانِي المعمَّمة "Ut unum sint" إصرارَها بالإشارة إلى "الكنائس الشَّرقية":

بِسَبَبِ رَوابِطِ الأسْرار القَويَّة بين الكنيسَة الكاثوليكيَّة والكنائس الأورثوذكسيَّة، فإنَّ القَرارَ بِخُصوصِ الكَنائِسِ الشَّرْقِيَّة الكاثوليكية قد أعلنَ: "تُظهرُ الْخبرةُ الرَّعويَّة ُبِوضوحٍ أنّه، فيما يتعلَّقُ بإخوتِنا الشَّرقيِّين، يَجِبُ ويُمكنُ أنْ يؤخَذَ بِعَيْنِ الاعتِبارِ، الظّروف الْمُختلفة لكلِّ فَرد، ظروف لا تعرِّضُ وحدةُ الكنيسةِ للخَطرِ ولا تُسبِّبُ بِمُجازفاتِ لا تُحتَمَل. لَكْن حيثُ الْخلاصُ نفسُه والْمنفعةُ الرّوحيةُ للنفوس هُما مطروحان بِشَكْلٍ مُلحٍّ. إذًَا بِالنَّظرِ لِلظروفِ الخاصَّةِ المُتَعَلِّقَةِ بِالوَقْتِ والمَكانِ والشَّخْصِ ، فإنّ الكنيسةَ الكاثوليكية قد تبنّتْ دائمًا وتتبنَّى الآن سياسةً أكثرَ اعتدالاً، مقدّمةً للجميع كُلَّ وَسائِلِ لخلاصِ وَمِثالاً لِلمَحَبَّةِ بين الْمسيحيين من خِلالِ الْمُشاركة فِي الأسرارِ وفِي غَيْرِها مِنْ أفْعالٍ وَأشْياءٍ  مقدسةٍ[16]".

أمّا بالنسبة للعِلاقةِ مع الكنائس الإصْلاحيَّةِ، فإنّ الأُمور هي أكثرُ تعقيدًا. كثيرون من الأَشخاصِ ذو التَّنشئةِ البروتستاتنتية الذين قَرأوا "الْحياة الحقيقيَّة في الله" أصْبحوا كاثوليك نتيجةً لاختبارِهِم الْحرِّ، وبشكلٍ خاصٍّ نتيجةً للنِّقاشاتِ حول ألإفْخارستيا. لا يتكلّم يسوعُ فِي الرَّسائِل عن صِحَّةِ أَسْرارِهم، لكنَّهُ يَحثُّ البروتستانت، مرّة ثانية، على أن يُحبُّوا أمَّ يسوع وأن يَعْتَرفوا بدورِ بطرس:

فاسولا، لقد حان الوقتُ لأوحِّد كنيستِي. تعالَوا معًا مُجدَّدًا، يا أَحبَّائي، هلُمُّوا وأَعيدوا بِناء هذه الأَنقاضِ القديِمة؛ أَعيدوا بِناء مُؤسَّستِي الأُولَى، الْمؤسسةَ التِي أَسَّسْتُها بيَدي. كرِّموا أُمِّي، كما أنا، الكلمةُ، أُكرِّمُها فوقَ كلِّ شيءٍ. ألا أَرغبُ إذًا منكم، أنتم يا مُجَرَّد رمادٍ وتُرابٍ، فِي أنْ تَعْتَرفوا بِها ملكةَ السَّماء – بِتَكْرِيْمكم لَها ؟ إِنَّ حُزْنِي، أَليومَ، هو أَنْ أَرى كَيف أنَّ خَليقتِي لا تَعْرِف إلاّ القليلَ عن أهَمِّيتها.وأكثرُ الْمُخْلصين لِي، وهُم من أَتْباعِ لوثر، قد عَزَلوا أَنفسَهم تَمامًا، ويَجب أَنْ يعودوا إلَى بطرس (22/12/1987).

 

فِي رسالةٍ أُخْرى، يؤنِّبُ الْمسيح أولئك الْمسيحيِّين الَّذين عَجِزوا عن رُؤْيةِ عَظَمةِ سرِّ الأفْخارستيا وحُضورِ الْمَسيح الإلَهِيِّ فيها:

 

... لِذلك، أَقولُ لِهذه الكنائسِ الّتِي لِم يَقْبلْ كهنتُها سرّي: "عُودوا إلَى رُشْدِكم والْتَمِسُونِي بِجدِّيةٍ. أضبطوا أيضًا نقمتَكم ضد أُمّي. لِيعلَمْ كلَّ جنسٍ بأنَّ جسدي ودمِي يأتيان من أمِّي. نعم، إنّ جسدي يأتِي من العذراء الأكثر قداسة، من دمٍ نقيٍّ؛ ليكُن اسْمُها مباركًا! لأُخلِّص كلَّ وُدَعاءِ الأَرضِ الذين يَتَناولُونَنِي، ولأُعطيَهم الْحياةَ الْخالدةَ، أَصبحتُ خُبْزًا لأُعطيَ ذَاتِي لكم؛ ومن خِلالِ هذه الْمناولةِ، أُقدِّسُ جَميع الَّذينَ يَتَناوَلونَنِي، مؤلِّهًا إيّاهم ليُصبِحوا لَحْمًا من لحْمي وَعِظامًا من عِظامي (...) من خلالِ ألوهيّتِي أُؤلِّه البَشَر(...) الآن، يُحاكِمُنِي البشرِ. إنَّ الثَّوبَ[17] الَّذي يُمكنُ أَنْ يَكسوَكم، ويُزَيِّنُكم بِجلالٍ ويُحْدِثُ فيكم تَحَوُّلاً ويؤلِّهُكم، تَرْفُضُهُ تِلك الكنائسِ التِي لا تَسْتطيعُ أَنْ تَستوعبَ سرّي... أَليومَ، أَصْرخُ مُجددًا من السّماء: "يا إِخْوتِي، لِماذا تُقَوِّضونَ أُلُوهِتيَّي؟ إِذا ادَّعَيتُم بأنّكم مَن يَعرِفُ الصَّوابَ فلماذا إذًا يَنهبُ روحُكم كنيستِي؟(...)إنَّنِي أدْعوكم لِتَحْتَفِلوا بالقدَّاس وتُشاركوا فِي السرِّ الإلَهي بالطريقةِ التِي أسَّستُها حقًّا (...) إنَّهُم يؤكِّدون قُدْرتِي، مُعْلِنين قوَّتِي الهائلة، مُنْشدينَ لِي تَسَابيحهم, مُعْتَرفين بِقُدْرتِي الْمُطلقةِ وبِمُعجِزاتِي العظيمةِ، لكنَّني أُصبحُ حَجرَ عثرةٍ، عندما يَؤولُ الأمر بِمْقياسِ عَظمةِ أُلوهيَّتِي وحُضُوري فِي الإفْخارستيا (16/10/2000).

أَلْوضعُ الزوجِيُّ

لاحقًا فِي سؤالكَ، تقولُ عنّي أَنّنِي أَتَقبَّلُ الْمناولةَ الْمقدّسةَ بعضَ الأَحيانِ فِي الكنيسةِ الرومانيةِ الكاثوليكية: " اهتِمامَنا بالنِّسبةِ لأَتْباعِكِ مِنَ الكاثوليك الَّذين يُمْكنُ أنْ يُفسِّروا هذه الْمواقفَ بطريقةٍ نسبيةٍ ويُجَرَّبوا بِإهْمالِ نِظامِ كَنيسَتِهم بالذَّات." فإنْ كانَ الشَّرعُ القانُونِيِّ الذي ذكرتُه أَعلاه، يؤكّدُ بأنّنِي على انسِجامٍ تامٍّ مع الشَّرعِ القانونِيِّ للكنيسة الكاثوليكيَّة، فلا أجد أيَّ مبرِّرٍ لتكونَ ردّةُ فعل الشَّعبِ الكاثوليكي نسبيّة.

 إنّنِي لا أُحبِّذُ الطلاقَ ولا أَسْعى لترويج العَقيدةِ الدَّاعيةِ إلَى وجوب سماح زواجٍ ثانٍ للأشخاصِ الْمطلِّقينَ بين الْمسيحيّينَ الكاثوليك. إنَّ طَلاقِي وزَواجِي الثَّانِي الْمدنِيّ تمّا قبل اهْتدائِي. بَعْدَ اهْتدائِي، بنورِ رَسائلِ "الْحياةِ الْحقيقيةِ فِي الله"، إِكْتَشَفْتُ أنَّ حالةَ زواجِي لَم تكُنْ مُنْتظِمةً. ومعَ ذلك، لَم يَعْرِفْ أحدٌ غَيري بِهذه الْحالة، وأَنا بِنَفْسِي اسْتَنْكَرْتُها عَلَنًا. لَقَدْ شَجَبْتُ وَضْعِي الخاص، عندما لَم يكُنْ أَحدٌ يَعْلَمُ شيئا بهذا الخصوص. عندما ادرَكْتُ هَفْوتِي، تقدَّمتُ من سُلْطاتِ كَنِيستِي فِي لوزان وخَضَعْتُ لِسِلسِلَةِ تَرتيباتٍ لتخليصِ قضيتِي بِحسبِ الأَنْظمةِ الأَرثوذكسيّةِ للزَّواج. وهكذا، أنا مسيحيةٌ أَرثوذكسيةٌ بوئامٍ مع كنيستِي وأَنْظِمتِها كأيِّ مسيحيٍّ أُرثوذكسيٍّ آخر، وهكذا يُسمحُ لِي أنْ أتقبَّل الإفْخارستيا فِي كنِيسَتِي وفِي الكنِيسَةِ الكاثوليكيَّة حَسبَ الْمبادىءِ الْمذكورةِ أعلاه. وأنا لا أَسْتَخِفُّ، بأَيّةِ طَريقَةٍ، بأنْظِمةِ الزَّواج فِي الكنيسةِ الكاثوليكيَّة.

لإعلامكم، أُرفق شهادةَ زَواجِي مع هذه الوَثيقةِ (ملحق ا)

 

السؤال 3: الغموض فِي الْمصطلحات الْمتعلِّقة باشخاصِ الثّالوث القدّوس

فِي كتاباتِك الأُولَى، كَما تبيَّنَ فِي البلاغ "Notification" كان هناكَ بعضُ الغُموض فِي الْمُصْطَلَحاتِ الْمُتعلِّقةِ بأَشخاصِ الثالوثِ القدّوس. نَحْنُ متأكِّدون بأنّك تُؤَيِّدين تعاليم كنيستك. هل تَظُنِّين أَنّكِ تستطيعينَ أنْ تُساعدينا فِي توضيحِ هذه التَّعابير؟ عند التَّعاملِ بأمورٍ إيْمانيَّةٍ، أَليسَ من الأنْسبِ اتِّباعُ الْمُصْطَلحاتِ الرَّسْميَّةِ للتَّعليم الْمسيحيِّ لِتَجنُّبِ التشوُّشِ فِي عقولِ قرَّاءِ  "الْحياةِ الْحقيقيةِ فِي الله؟"

بالنَّظرِ إلَى هذا السُّؤال، سأُحاولُ جاهِدة، أَنْ أُفسِّرَ حَيرةَ اللّغةِ، إنَّما أُذَكِّركُم بأنّنِي لستُ لاهوتيّةً تسْتطيعُ أنْ تعبِّرَ تِقنيًّا أو تتقبَّل كلماتٍ مِن علُ بِمُصطلحاتٍ رسْميّةٍ. مِنَ الواضحِ أنَّ ربَّنا قد عبَّر عن ذاتِه بالطَّريقةِ الَّتِي يُمْكنُ أَنْ أَفْهمَها، وذلك بالتّكيُّفِ معِي لِيَبْلِغَنِي. كما أنّه لا يُكلِّمُنِي لاهوتًا "سكولاستِيكيًّا" ولا فَعَل ذلك، عندما كان على الأَرضِ، حين قال: "أنا والآبُ واحدٌ (يو 10/30) وكذلك، عندما كَتبَ القدُّيس بولس: "الرّبُّ هو الرّوح" (2 كو 3/17)، تكلّمَتْ مريَمُ بلهجةٍ مَحلَّيةٍ، إلَى برناديت لورد، ولَم تَكُنْ لغةً فرنسيّةً جيّدةً. حتّى فِي الكتُبِ الْمقدَّسة الْمُوحى بِها، تعلّمْتُ أنَّ هناك فرقًا ظاهرًا بين لُغةِ القدِّيس لوقا اليونانيَّةِ والْمَصْقولةِ، ولغةِ القدّيس مرقسَ البسيطةِ. أَلقدّيسةُ كاترين السِّيانيّةُ، فَسَّرتْ مرّةً فِي حِوارها: "أَنتَ خَالقِي، أَيُّها الثالوثُ الأَزلِيُّ، وأنا خَليقتُكَ. لَقد صَنَعْتَ منّي خليقةً جديدةً بدمِ ابْنك"[18]. إنَّ تَسْميةَ الْمسيحِ بابن الثّالوثِ تبدو فكرةً هرطوقيَّةً، ولكنّنا نتناولُ هذا الجزء، بقَدْرِ ما أمكنَ، فِي الْمَعْنى الصحيح...

لذلك مِن الطبيعيِّ جدًّا أَنْ يَسْتَعمِلَ الْمسيحُ ، مُستوى مُفْرَداتِي فِي البداية، بدلاً من لُغةِ لاهوتِيّ. عبَّرْتُ أَحيانًا، بكلماتٍ صادرةٍ عن تَجْربتِي الشّخصيةِ لله، وعَبَّرتُ عَمّا شَعَرْتُ بِه بكلامٍ عَفَويٍّ دون تفكير نَقْديٍّ بِما قدْ يدْوِيهِ لدى الآخرينَ أو إِنْ كان سيُساءُ فَهمُه. أَنْ أُفصِحَ في الكلامِ عَنِ الأسرارِ الإلَهيّةِ كانَ صعبًا عليَّ بِما فيه الكِفايةُ والأَصْعبُ هو كَيفيَّة التَّعبيرِ عن هذه الأسرارِ الإلَهيّةِ بطريقةٍ تتَناسبُ واللّغةَ التقليديّةَ. فالّلاهوتيّونَ، على العكْسِ، يَسْتَعْملون مُفْراداتٍ قد صُقِلتْ بِعنايةٍ خلال عدَّةِ قرونٍ من الْمُناقشة.

لا أَعْرِفُ بالضَّبطِ إلَى أَيّةِ أَجزاء من الكِتاباتِ الأُولَى يُشيرُ إليها السّؤال. لكِِنْ بِإمْكانِي أنْ أَتَصَوَّرَ أنّها تِلْكَ الَّتِي تُسَمِّي المَسيحَ أبًا. الْمسيحُ هو ابْنُ الآبِ. فِي هذه الأَجزاءِ من الْوَحِي، لا تُشيرُ الكتاباتُ إلى شخص الْمسيحِ بطريقةٍ وجوديّةٍ أو عَقَائديّةٍ. بَلْ هي، بالأحرى، عاطفيَّةٌ وأَبويَّةٌ وهي اللّغة نَفْسها الَّتِي اسْتَعْملَها يسوعُ مع تلاميذه: "يا بنِيَّ..." (يو 13/33) وفي السابقِ وصَفَ إشَعْيا الْمَسيحَ "عجيبًا مُشيرًا، إلَهًا جبَّارًا، أبا الأبدِ" (اش 9/5).

منذُ البدايةِ، لَمْ أَخلِطْ أبدًا بين الآبِ والابنِ والرّوح القدس. كانَ حضورُ (تصرّفه) الْمسيحِ معِي يتَّسِمُ بعاطفةٍ أَبويّةٍ. عندما دَعَوتُ فِي أَحدِ الْمَقاطعِ يسوعَ "أَبًا"، كان ذلك بسببِ الطّريقةِ الأبويّةِ التِي تكلّم بِها معِي. كانَتْ كَتِلْكَ الحالات الَّتِي يشرَحُ فيها الآباءُ ويُعلِّمونَ بعض الأمور لأبنائِهم بِصبرٍ وحُبٍّ مِنْ أَجْلِ نُموِّهم وتطوُّرِهم. وهنا مثلٌ مِن كلماتِ الْمَسيح:

" إكبري بالرّوح، يا فاسولا، إكبري لأنّ مهمَّتَكِ هي أنْ تنشري كلَّ الرَّسائلِ الَّتِي منحناكِ إيّاها أنا وأبي. ألحِكمةُ ستعلِّمُكِ." أَجَبْتُ حينها "أجل، يا أبِي! فأَجابَ يسوع: "كم هو جَميلٌ أنْ أسْمعَكِ تناديني "يا أبي"! لقد تُقتُ لأن أسْمَعَ هذه الكلمة من شفتَيكِ: "يا أبي " " (16/2/1987).

فِي صلاةِ الابْتهالِ لاسْمِ يَسوعَ الأقدَس، نَدْعو يسوع: "أبَ العالَمِ الآتِي." إنَّ ترنِيمةَ قدّاس العنْصرةِ تدعُو الرّوحَ القُدسَ: "أبَ الفُقراءِ".

إِخْتَرْتُ القدّيسَ سِمعان، اللاهوتِيّ والقدِّيس المُقدَّر والمُهِمّ جدًّا فِي تَقليدِي الأرثوذكسيِّ، لأعطيكَ مزيدًا من التّشابيهِ. هذا ما يقولُه: "إلَى الَّذين فُطِمُوا، هُوَ (الْمسيح) يقومُ بدورِ الأبِ الْمُحبِّ الَّذي يَسهرُ على نُموِّ أَولادِهِ  وتَطوُّرِهم ِ."

لْخطَب اللاهوتيَّة الأَخلاقيَّة 4/269-270  (Theological Ethical Orations

 

 

يُمكِنُ أَيضًا، للنَّقْدِ أنْ يُشيرَ إِلَى مَقطعٍ مُعيّنٍ فِي البدايةِ، عندما أَرادَ الرَّبُّ أَنْ يعلِّمَنِي عَنْ وَحدةِ الثّالوثِ الأقدَس. قَدْ تَكونُ الرِّسالة الْمَعنيَّة هي:

"أنا الآب والإبن. هَل تَفهمين الآن؟ إنّنِي واحد، إنّني كلٌّ في واحد(2/3/1987). هنا، أَرادَنِي ربُّنا أنْ أَفهمَ الوحدةَ الكاملةَ والوجوديّةَ للثّالوثِ الأقدسِ؛ كيف إنَّ الأَشخاصَ الإلَهيِّينَ الثّلاثةَ غيرُ مُنْقَسمينَ وواحدٌ تَمامًا فِي الطّبيعةِ. كما قالَ القدّيس سِمْعانُ فِي ترنيمتِهِ (45: 7–21): "ثلاثةٌ فِي واحد، وواحدٌ فِي ثلاثة... كيفَ كانَ بإمكانِي أَن أَعْرِفَ، أيُّها الرَّبُّ، بأنَّ لِي مِثلَ هذا الإلَهِ والْمُعلِّمِ والْحامِي والأب والأخ والْمَلك...؟" تَدْريِجيًّا، أَيّةُ مُصْطلحاتٍ غير رسْميَّةٍ تَبَلْوَرَتْ معَ الوَقتِ، حتّى أنَّهُ لو اخْتلطتِ الأُمورُ على أحد، فقد أَصْبحتْ أَوضحَ لاحقًا.

لِنَتذكَّر كيفَ أَنَّ البابا بِندِكْتوس الرابعَ عشرَ، منذ زمنٍ بعيدٍ، قَدْ علّق على مَقاطِعَ تُثيرُ الشّكوكَ فِي كتاباتِ آباء الكنيسةِ والقدِّيسن، ودلَّ بأنَّ:

...ما قالَه هؤلاء يَجِبُ أنْ يُؤخذَ، بقدرِ الإمكانِ، فِي الْمَعْنى الصَّحيحِ... إِنَّ النِقاطَ الغامضَةَ فِي أحد النصّوص يِجِبُ أنْ تُفسَّرَ، بطريقة أُخْرى، بنصوصٍ أَوضحَ... يَجِبُ الْتماسُ فِكْرِ الكاتبِ، ليسَ من جُملةٍ معيّنةٍ، لكنْ من نصِّ العمل بكامله؛ على حُسنِ النِّيَةِ أَنْ يُرافِقَ الصَّرامَة، والْحكمِ على نقاطِ الْخلافِ يَجبُ أَلاّ يكونَ على أَساسِ آرائِهِ الشَّخْصيَّةِ، بَلْ وفْقًا لأرجَحيّةِ العَقيدةِ. (دستور مقدّمة الفهرست (Constitution of introduction of the Index.

فِي إِحْدى الرَّسائلِ الأُولَى، أُخْبِرُ كيفَ أنَّ يسوعَ طلبَ منّي أنْ "أرسمَ كيف هو الثّالوثُ الأقدس". فوَصفْتُ حُصُولِي على رؤْيا لِنورٍ، خَرَجَ منه نورٌ، وثُمّ نورٌ آخرُ، مشكِّلة ثلاثة أنْوار. حينئذٍ علّقْتُ: "عندما يكونُ الإبْنُ فِي الآبِ، عندها يكونانِ واحدًا. ألثّالوثُ القدوس هو واحدٌ ومتساوٍ فِي الْجوهر. يستطيعونَ أنْ يكونوا 3, لكنْ ثلاثتُهم يُمْكنُهم أنْ يكونوا واحدًا. ألنَّتيجة إلَهٌ واحدٌ". يَسْتعمِلُ هذا العَرْضُ، كما عَرفْتُ، أَلاسْتعارةَ الَّتِي تَعُودُ إلَى قانونَ نيقيا، الَّذي يُعْلِنُ أنَّ الإبنَ وُلِدَ منَ الآبِ "كنورٍ من نور". وقَدْ أًَصبَحَتْ هذه الصَّورةُ منذئذٍ كلاسيكيَّةً فِي الفكْرِ الْمسيحيِّ. مثلاً، يَكتُبُ سِمْعانُ اللاهوتِيُّ عن " الواحِد الَّذي كانَ منذُ البِدءِ، قبلَ كُلّ الدُّهورِِ، الْمَولودِ من الآبِ، ومَع الرّوحِ، إلَهٍ وكلمةٍ، ثلاثِيٍّ فِي الوَحْدةِ، لكنْ نور واحد فِي ثلاثة"(ترنيمة12/14–18).

 

أحيانًا، يَتَكلّمُ الله الآبُ، ويكونُ واضحًا لأيِّ قارئٍ يَعْرفُ الكتبَ بأنَّ الآب هو حقًّا الَّذي يتَكلّمُ، عندما يذكرُ كلماتٍ كـ"إبنِي يسوعَ" مثلاً... بعد ذلك، يُمْكنُ أنْ يَحْدثَ لاحقًا، فِي اليومِ نَفْسِهِ، أنْ يَدْعوَنِي الْمسيحُ ويتكلّمُ لأُكمِلَ الرِّسالةَ. مُجدَّدًا، يَفْهمُ القارىءُ الْمطَّلعُ على الكتابات بأنَّ الْمُتكلِّمَ هوَ الْمسيحُ لأنّه يذكرُ جراحَه وصليبَه. أمّا فيما يَخْتصُّ بالرَّسائلِ الَّتِي تبدأُُ مثلاً مع الآبِ، ثُمّ تُكْملُ لاحقًا مع الابْنِ، فَتتضمّنُ عادةً إِشارةً تقولُ "لاحقًا". إذا لَمْ أَضعْ أيَّةَ إشارةٍ لأُساعدَ من يقرأُ، فذلك لأنّه ظهرَ لِي واضحًا جدًّا مِن الكلماتِ الْمذكورةِ مَن هو الَّذي يتكلّمُ فِعْليًّا وهكذا تَرَكْتُها على حالِها. مِنْ آلاف القرَّاءِ، لَم أَتلقَّ أبدًا أيّةَ رسالةٍ مِن أحدٍ يسألُ تَوضيحًا عنِ الْموضوعِ، وما من أحدٍ قالَ لِي بأنَّه قَد تشوَّش ذهنُه. فَقَطْ كاهنان في الولايات الْمتّحدةِ قرآ الرِّسالةَ بطريقةٍ خَاطئةٍ، ونشرا آراءهُما مرّةً تلوى الأُخْرى فِي منشوراتٍ، دون الالْتقاء بِي قط.

فِي أحدِ مقاطع كِتابات "الْحياة الْحقيقيَّة فِي الله"، يقولُ الْمسيحُ: "أنا هُو الثّالوثُ". هنا، يَتَطابقُ الْمسيحُ مع الطّبيعةِ الإلَهيَّةِ للثالوثِ الَّذي هو واحدٌ. أَلْمسيحُ هو واحدٌ من الثّالوث. يتكلّم الْمسيحُ بِحكمِ الألوهيَّة، بِما أنّها طبيعةٌ واحدة، تُؤدَّى بواسطةِ كلٍّ منَ الأشخاص الثلاثةِ.

فِي أحَدِ مَقاطِعِ "الحياة الْحقيقيَّة فِي الله"، كان الْمسيحُ يتكلّم:

"كونِي مُباركةً، يا طفلتِي، أنا أبوكِ القدّوسُ، أحبُّكِ. أنا الثّالوثُ القدّوسُ." وتابع قائلاً: "لَقَدْ مَيَّزتِ جيِّدًا." إذْ ميّزتُ عندما كانَ يسوعُ يقولُ: "أنا أبوكِ القدّوسُ"،

يسوعَ فِي ثلاثةِ أَبعادٍ، كتلك الصُّورِ الْمُبَهرجةِ لشخصٍ واحدٍ، يَبْدو وكأنّه ثلاثة، ألواحدُ يخرجُ منَ الآخرِ، كلّهم مُتَماثلونَ والثّلاثةُ مُتَساوونَ فِي الْجوهرِ.

"أنا الثّالوثُ القدّوسُ، ألكلُّ فِي واحدٍ" (11/4/1988).

(وحيدٌ، غيرُ منقسمٍ، جوهرٌ واحدٌ، ماهيّةٌ واحدةٌ.) إذا نظرَ أحدُنا فقط إلى التّعبير الأوّلِ الْمنسوبِ إلَى يسوعَ، يُمْكنُه أنْ يتساءلَ إذا لَم يَكُنْ يُطابِقُ نَفْسَه مع الآبِ وثُمّ معَ الثّالوثِ بكاملِه. لكنْ عندما يتابع المَرءُ القراءةَ، يتَّضحُ أنّ الأمرَ ليس كَذلِكَ.

كانَ الْمسيحُ يُحاولُ أنْ يُعَلِّمنِي أَحَدِّيةَ الثّالوث القُدّوس، كيف إنَّ الأشخاصَ الثلاثةَ غَيْرُ منقسمين وواحدٌ تَمامًا. إنّ وحَدانيَّةَ الثّالوثِ تأتِي أَولاًّ ليْسَ من كَونِ الأَشخاصِ الثّلاثةِ غيرُ منقسمين (كالأصدقاءِ الْمُتَلازمينَ) بلْ من كونِ كلِّ واحدٍ منهم يَمْلكُ نَفْسَ الطَّبيعةِ الإلَهيَّةِ الوحيدةِ ويتميَّزونَ فقط بِعِلاقاتِهم الْمتبادلة.

 

فِي مقطعٍ آخرَ مِن "الْحياة الْحقيقيَّةِ فِي الله"، يُعلِّمنِي الْمسيحُ كيف أَنَّ الثّالوثَ يُدْرَكُ فِي كلٍّ منهم كواحدٍ ومتماهٍ في الجوهر:

"... أَلَسْتُ كريْمًا؟ أَلَسْتُ العَلِيّ؟ إذًا كونوا على ثِقة، لأَنَّكُم بينَ ذراعَيّ أَبيكم. أنا، الثّالوث الأَقدَس، واحِد ومُتماهٍ في الْجَوهَر." (25/7/1989)

وللتَّعبيرِ عن ذلك، من مِنْظارِ تقليد الكنيسةِ الأُرثوذكسيَّةِ قد يكونُ مُفيدًا مُجدَّدًا أنْ نَعودَ إلَى كتابِ "باسيل كريفوشاين" عن القدّيسِ سِمْعانَ، حيث تعبِّرُ الكلماتُ فيه بطريقةٍ أفضلَ مِمّا أَستطيعُ أنْ أَفعَل. "الله هو فوق كلّ الأسْماء. إنَّهُ ثالوث، ومع ذلك، ألواحدُ ووحدانيَّته لا يُمْكنُ التعبيرُ عَنْها" (ص284). ثُمَّ نَقْرأُ لِلقدّيس ِ سِمْعانَ نفسِه، ما يلي:

مَهما تنَوّعَتْ الأسْماءُ التِي ندعُوكَ بِها، أنتَ كائنٌ واحدٌ... هذا الكائنُ الواحدُ هو طبيعةٌ فِي ثلاثةِ أَقانيم، الله الأوحد، الله الواحد هو ثالوثٌ واحِد، وليس ثلاثةَ كائناتٍ. ومعَ ذلِكَ، ألواحدُ هو ثلاثةٌ بالنِّسبةِ للأقانيم. هُم بِالكُلِّيَّةِ مُتماثلونَ بالطَّبيعةِ، وَكلّ واحدٍ مُساوٍ للآخرِ وَفْقًا للطبيعةِ، مُتَساوون في القُدْرَةِ، وفي الجَوْهَر نَفْسِهِ، وَهم موحَّدون بدون اختلاط بِما يفوق إِدراكنا. بالتالي فَهم مُتميِّزونَ، مُنْفَصلونَ بدون انفصالٍ، ثلاثةٌ فِي واحدٍ وواحدٌ فِي ثلاثةٍ.
(ترنيمة 45: 7 – 21)

وفِي مقطعٍ آخرَ من "الْحياةِ الْحقيقيَّةِ فِي الله"، يُصرُّ الْمسيحُ على وحْدانيَّتهم الإلهيَّةِ:

" أنا مَنْ يُخَلِّص، أنا فاديكم، أنا الثالوث الأقدس، الكلّ في واحد. أنا روح النعمةِ..." (28/7/1989).

هنا، كان يسوعُ يقولُ لِي بأنّه فِي الآبِ مع الرُّوح، كما أنَّه معَ الآب في الرُّوح. وهو، الإبن، كائنٌ ويَبْقَى مثيلاً لَه في الأبديَّة، فِي الآب مع الرّوح. يُمكنُنا أنْ نتذَكّر كلِِمات المسيح: أللهُ هو روحٌ، ومن يعبُدُونَه، عليْهم أن يَعْبدوه بالرّوح والْحقّ. (يو 4/24) كما أنَّ لكلماتِ القدّيس بولسَ أهَميّة حيويَّة: "...لأنَّ الرَّبَّ هو الرّوحُ، وحيثُ يكونُ روحُ الرَّبِّ، تَكونُ الْحُرّيةُ"
 (2 كو  3/17).

 

لَنْ يَجِدَ أحدُنا أبدًا الآبَ مُنْفصلاً عنِ الإبن أو الرّوح، ولا الإبنَ منفصلاً عنِ الآب والرّوح، ولا الرّوحَ مُستَثنَى عن الوَحْدةِ مع الواحد الَّذي منه يَنْبَثِقُ. من هنا التَّعبير: "أنا الثالوثُ القدّوسُ، الكلُّ فِي واحدٍ"، وغيرُها من التَّعابيرِ فِي الكِتاباتِ الْمشابِهة لَه. وبِطريقةٍ مُماثِلَة، فِي مقطعٍ آخر من "الْحياة الْحقيقيَّة فِي الله" أُحدِّدُ:

"الإبنُ هو فِي الآب. إِنَّهما واحدٌ فقط. ألثالوثُ القدّوس هو واحدٌ ومتساوٍ فِي الْجوهرِ: ثلاثة أشخاصٍ، لكنْ إلهٌ واحدٌ: واحدٌ وثلاثةٌ" (23/11/1997).

أُحِبُّ أنْ أذكرَ خصوصًا هَذَين التَعْبيرَيْن اللذَين يتردّدان غالبًا فِي كِتابات
"الْحياةِ الْحقيقيَّةِ فِي الله." يقولُ الْمسيحُ:

"...كونوا واحدًا كما الثالوث الأقدس هو واحدٌ ومتساوٍ في الجوهر" (10/10/1989). أو التعبيرُ الآخرُ: "صلّوا كي يكونَ قطيعي واحدًا، كما أنا والآب واحد ومتساويان" (29/3/1989).

 

نَجدُ هنا عُنصرًا مُهمًّا جدًّا. عندما يستعملُ الْمسيحُ كلمةَ متساوٍ[19]، فَهْي تَخْتَلفُ، إذا تُرْجِمتْ إلَى اللُّغةِ الإيطاليَّةِ أو الفرنسيَّةِ، لأنَّ الْمَعنَى يتَبَدَّلُ، وأُحِبُّ أنْ أشيرَ إلَى أنّه يوجدُ ضُعْفًا فِي التَّرجَمةِ، ولكنْ لا يُمكِنُهم أَنْ يُحمِّلونِي مسؤوليَّة ذلك. فِي اللّغة الإنكليزيَّة ( وهي اللّغة الأساسيَّةُ للكتابات)، ألكلمةُ لا تَعْنِي الشّخصَ نفْسَه بل تَعنِي مُتساوٍ" بِمعنى "وَحْدةِ الْجَوهرِ"، وَحْدةِ الْماهيَّة".

 

هناك أيضًا، مقاطع، يتكلَّمُ فيها الثّالوثُ القدوس تِباعًا بصوتٍ واحدٍ. لكنْ معَ ذلك، فهذا واضحٌ جدًّا. مثلاً، الْمقطعُ التالي:

"...صَيْحاتُكِ الْمرعبةُ اخترقَتِ السّماواتِ وبَلَغتْ آذانَ الثَّالوث الأقدس... "ياطفلتِي!" هكذا دوَّى صوتُ الآب مليئًا بالفرحِ، فِي أَرجاءِ السّماءِ كلِّها."

ثمَّ قال الإبن: "آه... سأجعلُها الآن تَلِجُ جراحي وأَدَعُها تأكُلُ جَسَدي وتشرب دمِي. سأقترنُ بِها ستكونُ لِي مدى الأبديّة. أُظهرُ لَها الْحبَّ الذي أكنُّه لَها، وشفتاها، منذ الآن، ستعطش إلَيّ وقلبُها سيكون سَنَدَ رأسِي..."

بعدها في الحال، تابع الرّوحُ القدس: " وأنا، الروحُ القدسُ، سأحلُّ عليها لأكشفَ لَها الْحقّ وأَعماقَنا. سأُذكِّرُ العالَم، بواسطتها، بأنّ أَعظمَ الْمواهبِ كلِّها هو الحُبّ."

وعندئذٍ تكلّم الثّالوثُ القدوس بصوتٍ واحدٍ: "لِنحْتفلْ إذًا! لِتَحْتفلْ كلُّ السَّماءِ!"
(22/12/1990).

إنَّ سرَّ الثالوثِ الأقدسِ، ووَحَدِانيَّتهُ الْمُرتَبِطَةُ بالْمِيزاتِ الْبارزة لِكلِّ من الأشخاصِ الثّلاثةِ، وبالعِلاقةِ فيما بينهم، هُو أحدُ  أعظمِ أسْرارِ الإيْمانِ الْمسيحيِّ. ولكنْ، كَونُ الثّالوثِ سرًّا لامتناهيًا، فهذا يَجِب أَلاّ يَجْعلَنا نتخامصُ في تسبيحِ عَجائبِه ونَتَجنَّبَ الْحديثَ عَنْه، مَعَ أنَّ اللّغةَ البشريَّةَ تَعْجزُ دائمًا عن التَّعبير عن جمالِ وعظمةِ الواحد ومع ذلك ثالوث. لأنَّ سرَّ الثّالوثِ الأقدسِ هو سرٌّ مركزيٌّ جدًّا لإيْمانِنا بِحيثُ يَعلُو ويُلْقي الضوءَ على كلِّ أسْرارِ الإيْمانِ الأُخرى. يُشارُ إلى هذا الأمْرُ مُجدَّدًا بوُضوحٍ تام فِي التَّعليم الْمَسِيحِيّ لِلكَنِيسَةِ الكاثوليكيَّة:

سرُّ الثالوث القدُّوسِ هو السرُّ الْمركزيُّ فِي الإيْمانِ وفِي الْحياةِ الْمسيحيَّةِ. إنّهُ سرُّ الله فِي ذاتِه. وهو من ثُمَّ أصْلُ سائرِ أَسرارِ الإيِمانِ، ألنّورُ الَّذي يُنيرها. إنّه العقيدةُ الأساسيَّةُ والْجوهريَّةُ الأكثَرُ أَهمِّيَةٍ فِي "هرميَّة حقائق الإيْمان."[20] "ليسَ تاريخُ الْخلاصِ كلُّه سِوى تاريخ الطَّريقةِ والوَسائِل الَّتِي اعْتمدَها الله الْحَقّ والواحدُ، الآبُ والإبنُ والرّوح القُدُسُ، لِيَكْشفَ عَن ذاتِه ويتَصالَح هو والبَشر الَّذين يَتَحوّلونَ  عن  الْخطيئةِ  ويَضُمُّهم إليه.[21] (فقرة 234)

السؤال 4: ألبدئيات والأخرويات

 

هناك أَيضًا بعضُ الصُّعوباتِ فيما يَخْتصُّ بالبـرُوتولوجيَّة والأسكَتُولوجِيَّة. بأيِّ

معنًى تَحصلُ النَّفسُ على "رؤيةِ الله" قبل دخولِها فِي الْجَسَدِ؟ وكيفَ تَرينَ مكانَةَ العَنصَرةِ الْجَديدةِ فِي تاريخِ الْخَلاصِ في علاقةٍ بالْمجيءِ الثانِي للْمَسيحِ وقِيامَةِ الْموتَى؟

ألبدئيّات: لا أؤمنُ بأيِّ شكلٍ من أشكالِ التقمُّصِ. على العَكسِ، إنّ كِتاباتِي تتكلَّم ضدّ التقمّصِ والعَصْرِ الْجديد: "هذه العقائدُ الشَّيطانيةُ تُعلِّمُكم أَنْ تؤمِنوا بالتقمُّص، بينما لا يوجدُ تقمُّص. إنَّهُم يُحافظونَ على الْمظْهرِ الْخارجي للدّين، لَكنّهم يَرفضون قوَّته الدّاخليّةَ: ألرّوحَ القدُس والْمُناولةَ الْمقدّسةَ" (19/4/1992). إنَّ الْمقطعَ الَّذي تشيرُ إليه يُمكنُ أنْ يكونَ التالِي:

...حينئذٍ، فِي وَسطِ هذا النّورِ الباهرِ، سترى نَفْسُكم ما قدْ رأتهُ ذات مرّة فِي هذا الْكسرِ من الثّانيةِ، في لَحظةِ خَلْقِكم بالذّات... سَيَرون ذاك الَّذي حَمَلكم أَولاً بين يَديهِ، أَلعيونَ التِي رَأَتْكم أَولاً، سَيَرون أَياديَ الَّذي كوَّنَكُمْ  وَباركَكُم... سيرونَ ألأبَ الأكثَرَ حَنانًا، خالِقََكُم...(15/9/1991)

إنَّ لغة هذا الْمقطع شعريَّة وصوفيَّة. ما كُتبَ هنا لا يَعنِي إِطلاقًا الوجودِ السَّابقِ للنَّفسِ. يتحدَّثُ، بالأَحْرى، كيفْ إنَّ الله يُباركُ ويُحبُّ أَيَّ نفسٍ منذ لَحظةِ خَلْقِها بالذّاتِ. أُؤمنُ أَنَّنا خُلِقْنا على صورةِ اللهِ وَلَدَيْنا خَتْمه فِي أعماقِ نُفُوسِنا، لذلك يشعُرُ البشرُ بتوقٍ طبيعيٍّ إِلَى خالقِهم، الَّذي وَحْدَهُ يَستطيعُ أنْ يُشْبعَه، كما يقولُ القدّيس أغسطينوس: "صُنِع القلبُ للهِ، ولا يستطيعُ أنْ يستريحَ إِلاّ فِي اللهِ." ما نَوَيتُ أَنْ أُبلِّغَه من خلالِ هذه العِبارةِ، هو: أنَّنا نَحْمِلُ صورةَ اللهِ فِي عُمْقِ كِيانِنا منذُ لَحْظةِ تَكْوينِنا.

الأخرويّات: لقَدْ قيلَ إِنّنِي أَدعو إلى نوعٍ خاطىءٍ من العَقيدةِ الأَلْفيَّةِ، بُغية تأسيسِ نِظام جديد، "سماواتٍ جديدةٍ وأَرضٍ جديدةٍ" مادِّيةٍ، قبلَ الْمجيءِ الثَّانِي للمسيحِ. هذا غيرُ صحيحٍ ولَيسَ واردًا فِي أَيِّ مكانٍ في الرَّسائلِ. أَنا مُدْركةٌ جيِّدًا بأنَّ الكنيسةُ الكاثوليكيَّةَ قدْ أَدانَتْ هذا النَّوعَ مِنَ الأَلْفيّةِ، كَما جاءَ فِي التَّعليم الْمسيحيِّ للكنيسةِ الكاثوليكية:

هذا التَّدجيل المُناهض للمسيح يَرْتَسِمُ فِي العالَمِ كلَّما ادَّعى الناسُ أنْ يُحقِّقوا فِي التّاريخِ الرَّجاءَ الْمسّيانِي الَّذي لا يُمْكنُ أَنْ يتِمَّ إلاَّ بَعْده فِي الدَّينونةِ المعادية، والكنيسَةُ نَبَذَتْ هذا التّزوير لِلمَلَكوتِ الآتِي حتّى فِي صِيغَتِهِ الْمُخفَّفةِ الْمعروفةِ بالأَلفيَّةِ، ولا سيَّما صيغتها السياسيَّة كَمسيانيّة عِلْمانيَّة "فاسدةً فِي جوهرِها" (فقرة 676).

فِي كِتابات "الْحياة الْحقيقيَّة فِي الله"، يوجد مقاطعُ كثيرةٌ تتضمّنُ عباراتٍ مثل: سَماوات جديدة وأرض جديدَة بالإضافة إلَى عنصرة ثّانية، أَو بعضَ الأَحيانِ، عنصرة جديدة، لكنْ يَجِب أنْ تُفْهمَ على سبيل المجاز. إنَّ تَحقيق هذه الكلماتِ يجب ألاّ يكون فِي انشِطار معَ تاريْخِنا الْمُنْتظمِ، قبلَ الْمجيءِ الثّانِي الَّذي سَيُؤَسِّس تدبيرًا ثانيًا للتاريْخِ. تُعبِّرُ هذه الكلماتُ عن الرَّجاءِ الأَسْمى بأنَّ الْمسيحَ سَيُجدِّدنا من الدّاخلِ بقوَّةِ الروحِ القدسِ. إنّه إِحياءٌ للإيْمانِ وتَجدُّدٌ للكنيسةِ الَّذي نتوقُ إِليه كثيرًا. والثّمار التِي نَرْجوها من هذا التَجدُّدِ هو الشِّفاء من الانْشِقاقِ فِي جسدِ الْمسيحِ. سبقَ للبابا يوحنا الثالثِ والعشرين، أنْ تصوَّر مِثْلَ هذا التَجدُّدَ، عندما صلّى من أجل عَنْصرةٍ ثانيةٍ: "أَيُّها الروحُ الإلَهِي... جَدِّد، فِي أيامِنا هذه، مُعْجزاتِك مثيل عنصرةٍ ثانيةٍ." وكذلك، البابا الحالِيُّ، يوحنا بولس الثانِي، اسْتَعْمل هذا التّعبيرَ فِي مُناسباتٍ عديدةٍ كَما فِي رسالةٍ إلَى الأب، الْجزيل الإحترامِ، جوزف شَلْمِرْس (Chalmers) الرئيسِ العامِّ لإخوة مَرْيَم العذراءِ الْمباركةِ لِجَبلِ الكرْمل، الْمؤرخةِ فِي 8/9/2001: "... أَتضَرَّعُ لِفيضٍ من النِعَمِة الإلَهيَّةِ عليكم. تَمامًا كعَنْصرةٍ ثانيةٍ، لِينْزلَ عليكم الرّوحُ القُدس ويُنيرَكم حتّى تَكْتَشِفوا مشيئةَ أَبيكم السّماوي الرحيم. بِهذه الطّريقةِ، تَسْتطيعون أنْ تَتَكلَّموا إلَى الرِّجال والنِّساء بأشكالٍ مألوفةٍ لديهم وفعّالةٍ." ( راجع أعمال الرّسل1:2-13)

كذلك، تتحدَّثُ كِتاباتِي بِلُغةٍ مَجازيةٍ، عن إِحياء للإيْمانِ، حتّى يستطيعَ الربُّ أَنْ يَنصِبَ عَرْشَه ويَبنِي ملكوتَه فِي نفوسِنا:

 "تَعالَي وتَعلَّمِي: ستكون السّماواتُ الْجديدةُ والأَرضُ الْجديدةُ، عندما أُقيمُ عَرْشي فيكم، لأَنّنِي سأمنحُ مَجَّانًا الْماءَ من بِئرِ الْحياةِ لكلِّ العطاش" (3/4/1995 إشارة إلَى رؤ 21/6).

أعْتقِدُ أنَّ التجدُّدَ الَّذي وُعِدْنا به قد بَدَأَ، وأنَّ رحْمةَ الله علينا فقط بالنِّعمةِ ليفيضَ روحَه على كلِّ البشريّةِ كَما لَم يَسبُق لَه مثيل فِي التّاريِخ.ِ وسيستمرُّ نُمُّوُه، كما تُشرقُ النّعمةُ علينا، فِي أيَّامِنا، كأشِّعةِ الشَّمسِ لِشِفَائنا.

أَنْعمَ الرَّبُّ عليَّ وكَشَفَ لِي حالةَ إِيْمانِ الْمسيحيِّينَ فِي أَيَّامِنا. كانتْ حالةً يُرثَى لَها، وهذا أَقَلُّ ما يُمْكن قولُه. كثيرٌ من الرَّسائلِ مليئٌ بالْحُزن ويَصِفُ الْجُحودَ الذي ضربَ العالَمَ الْمسيحيَّ. لكنَّ الرَّبَّ يَمْنحُنا الرَّجاءَ، بِمُشاركتِه معنا أنَّه سَيكونُ هناكَ (وهو يحدثُ الآن) تَجدُّدٌ وتَجلِّيٌّ وإحياءٌ بِعَملِ الرّوحِ القدسِ. إنَّ الظَّمأَ للربِّ، سَيُمنَحُ بالنِّعمةِ من خِلالِ الرّوحِ القدسِ. هنا بعضُ الْمُقْتَطفاتِ:

 

"سَيُخْرِجُكُم رُوحِي القُدَّوسُ مِنْ جُحُودِكُم العَظِيْم، لِيَقْتَرِنَ بِكُم. فَبُؤْسُ عَصْرِكُم سَيُقْشَرُ عَن جِيْلِكُم لأَنَّنِي، بِيَدِي أَنَا، سَأَحُلُّ كَفَنَ مَوْتِكُم لأُلْبِسَكُم ثِيَابَ عُرْسِكُم"
(20/10/1990). " فالخليقةُ بأسرِها سأَجعَلها جديدة
[22]. سأجدِّدُكم جميعًا بروحي القدّوس" (27/6/1991).

لا تذكرُ كِتاباتِي متَى سَيَحْدثُ ذلك ولا إِلَى أَيَّ مدًى سيكونُ الرَّبُّ قادِرًا على إِقامةِ ملكوتِه، كَما نرجُو جَميعُنا ونُصلِّي عندما نتلو الصّلاة الربّانيةَ "ليأتِ ملكوتُك." أَعْتَقِدُ أَنَّه قد بَدَأَ بِداخِلِنا ونُمُوُّه يَشْمَلُ دائمًا تَعاونَنا وإِرادتَنا الطيّبةَ. أَعْتَقِدُ أنَّ تَجدُّدًا قدْ بدأ ولكِنَّهُ يأتِي بِبُطءٍ كالتيّارِ في البَحْرِ بِحيثُ لا يستطيعُ أحدٌ أَن يوقِفَهُ.

أَلعَنصرةُ الْجديدةُ أو أَلعنصرةُ الثّانيةُ هِيَ رجاء تَجدُّدِنا. إنّها فيضٌ من الرّوح القدسِ الَّذي سَيُجدِّدُ الْخليقةَ. وفي "الْحياة الْحقيقيَّةِ فِي الله"، تُشبَّه بِرؤيا21. هنا مقطعٌ:

تعالَي وتعلّمِي: ألسَّماواتُ الْجديدةُ والأَرضُ الْجديدةُ، ستكون عندما سأُقيمُ عَرْشِي فيكم، لأَنّنِي سأمنحُ الْماءَ مَجّانًا من بئرِ الْحياةِ لكلّ العِطاش. إسْمَحِوا لِرُوحِي القدّوسَ إذًا أنْ يَجْذِبَكم إلَى مَلكوتِي وإلَى الْحياةِ الأَبديّةِ. لا تَدَعوا الشَّرَّ يقْوى عليكم فَتَموتوا... إِسْمحوا لرُوحِي القدّوسِ أنْ يَحْرُثَ تُرْبَتَكم ويقيمَ عدنَ أَرضيّةً فيكم. لِيَجْعَل روحي القدّوس فيكم أرضًا جديدةً فَتُثمر أرضُكم، وتَرثُّ أرضُكُم القديمة الَّتِي كانتْ ملكَ الشَّيطان. حينها سيَسطعُ مَجدي فيكم مَن جَديد وكلّ البزار الإلهية الَّتِي زرعَها روحي القدّوس فيكم ستَنبتُ وتَنمو في نُورِي الإلَهي" (...) لِذا اسْمَحوا لروحِي القدّوسَ أنْ يُحَوِّلَ نفسَكم إلَى فردوسٍ آخرَ، إِلَى أَرضٍ جَديدةٍ بحَيثُ نَحنُ (الثالوث) سنَجْعلُ فيكم مُقامَنا...

(سأَلْتُ الرَّبّ:) "ماذا عن السّماوتِ الْجديدةِ؟"

ألسّماواتُ الْجديدة؟ سَتكونُ هِيَ أيضًا فِي داخِلِكم عندما يَسودُكم روحِي القدّوسُ بالقداسة. سَيُشرقُ روحِي القدّوس فِي ظُلْمَتِكم كالشّمسِ السّاطعةِ فِي السّماء، لأنّ الكلِمةَ سَتُمنَحُ لكم لتُعبِّروا عَنِ الأفْكارِ والكلام كما أتَمنّى أنا أَنْ تُفكِّروا وتَتكلَّموا. كلُّ ما تُعَبِّرون عنهُ، سيكونُ منسجمًا مع صورتي ومع فكري. كلُّ ما ستَقومون به سيكونُ على مثالِنا لأنَّ روحَ أبيكم سيتكلّمُ فيكم. وعالَمُكم الْجديدُ سَيسيرُ مع روحِي القدّوسِ لِيَنْتَصِرَ، لِمجدي، على بقيّةِ النُّجومِ (ترمزُ للبَشَر)، وعلى أولئكَ الَّذين لَم يَتْبعوا شَريعتِي وابتعدوا كلِّيًا، كظلِّ عابرٍ في الظّلمةِ، ولَم يَعْرِفوا أبدًا الرَّجاءَ والقداسةَ اللذَين احْتَفظْتُ بِهما لأزْمِنتِكم.

السّماواتُ الْجديدةُ تكونُ عندما سينسكبُ روحِي القدّوسُ عليكُم جَميعًا من علُ، من أعالي السّماء. نعم، سأُرسلُ روحِي فيكم لأَجعلَ من نَفْسِكم سَماء، كي فِي هذه السّماءِ الْجديدةِ أكونُ مُمجَّدًا ثلاثًا... وكما سَتَسْتقيمُ طُرُقُ الَّذين تلَقَّوا روحِي القدّوسَ، هكذا أَيضًا سَتُضيء ظلْمَتُهم ودجنتُهم وتتحوّلُ إلَى نُجومٍ متوهِّجةٍ تُنيرُ ظُلْمتَهم إلَى أَبدِ الآبدين. قريبًا، سَتَزول هذه الأَرضُ وهذه السّماءُِ، لأنّ مَجْدي الْمُشِعُّ من عَرْشِي سَيُشْرِقُ فيكم جَميعًا (3/4/1995).

 

وكما تَرونَ، كلُّ هذا لغةٌ مَجازيّةٌ رمزيّةٌ شعريّةٌ، تصفُ تَجدُّدًا أو عنصرةً جديدةً. كنتُ دائمًا أُفسِّرُ إلَى النّاسِ بألاّ يَنْتَظروا أبدًا من الله حوادثَ حسيّةً لأنَّ الله يعملُ بالأحرى بطريقةٍ مُتَحَفِّظةٍ، مع أَنَّ لغَتَه يُمْكنُ أنْ تكونَ معبّرةً وقويّةً. أحداثٌ عديدة، كالعَنْصَرة الجديدة، يَجِبُ عَدَمُ تَوقُّعِها كَلَهيبٍ مرئيٍّ فوقَ رؤوسِنا أو ما شابه. عندما يَعْملُ اللهُ، يكونُ ذلك بطريقةٍ ناعمةٍ ومُتَحَفِّظَة، حتّى أنّ العديدَ من الَّذين توقَّعوا حوادثَ حسِّيةً لا يَلحظُونَها حَالاً.

 

ألسّؤال 5: "الْحياة الْحقيقيةُ فِي الله " كحركةٍ؟

ما هي الْهويَّةُ الْحقيقيَّةُ لِحَرَكَةِ "الْحَياةِ الْحقيقيَّةِ فِي اللهِ" وماذا تَطلبُ مِن أَتْباعِها؟ وما هي بِنْيَتُها؟

 

"أَلْحياةُ الحقيقيَّة في اللهِ" ليست حركةً وليس لَدَيْها مَكْتب. هي، بكـلِّ بساطةٍ دعوةٌ لِلمُصالَحةِ والوَحْدةِ لكلِّ شخصٍ، مَهما كانَ. ألدّعوةُ لا تضمُّ فقط الْمسيحيِّين، فقدْ جَذَبَتْ إلَيها غيرَ الْمسيحيِّينَ أيضًا ليُصْبحوا مسيحيِّين. بعدَ قراءةِ الكتاباتِ الْمُلهَمةِ للحياةِ الحقيقيَّة في الله، إقتبلَ بِسرِّ العِماد كثيرٌ من اليهودِ والْمسلمين، البوذيينَ والْهندوسيينَ ، مع أنَّ روحانيَّتَها هي روحانيّةٌ تأملِيّةٌ، ثالوثيةٌ ومُشْبعةٌ كلِّيًّا بالْمسيحيَّةِ. صلّى يسوعُ إلَى الآبِ لِهذا الأَمْرِ قائلاً:

"لا أدْعو لَهم وحْدَهُم بل أَدْعو أيضًا للذين يُؤمنونَ بِي عن كلامِهم" (يو 17/20)

هكذا، وبالنّعمةِ، يَفْتحُ الله أبوابًا كثيرةً. مثلاً، منذُ البِدايةِ، عَلِمتُ أنّ هذا العملَ الرسوليّ سيحْدثُ.

سيعطيكِ الله سلامَه وقوَّتَه، عندما يَحينُ الوقتُ لِتُظْهري الرّسائل. يُريدك الله أن تُعْطي الرسائلَ لكلِّ واحدٍ...(هذا كلام ملاكِي في 6/8/1986) ليس عليكِ أن تخافي. ستعملينَ ليسوعَ الْمسيح. ستُساعدينَ الآخرينَ لِيَنْموا رُوحيًّا... (كلام ملاكِي في 7/8/1986). عندما ستَمْتَلِئين من روحِي القدّوس سوف تتمكَّنِينَ من قيادةِ الآخرينَ إلَيَّ وسَتكثرون... (كلام يسوع في 5/9/1986). بِدَعوتِي لكِ بِهذه الطّريقةِ، أبغِي أنْ أَقودَ آخيرين أيضًا، كلّ الَّذين تخلّوا عنِّي ولا يَسْمعُونِي. لِهذه الأَسْباب، وُضعَ هذا النداء فِي الصّيغةِ الْمكتوبة... (الآب يتكلم 18/11/1986).

 

إنَّ رُهْبانَ هِيروشِيما البوذيينَ، قد عَرَفوا أيضًا الرّسائلَ وَدَعُونِي لأتكلَّم فِي مَعْبدِهم.كان الأُسْقفُ الكاثوليكِي حاضرًا أَيضًا. لقد حدَثَ هذا يوم ذِكْرى القنبلةِ الذريّة. قُدَّمْتُ لَهم رسالةٌ مسيحيَّةٌ بالكامل؛ ثُمّ قدّمتُ لَهم مسبحةً ضخمةً لتُعلَّقَ على الْحائطِ لتأمُّلاتِهم، وتِمْثالاً لسيِّدةِ فاطمة وَضَعوه فِي فَنائِهم.

يهودٌ كانوا قدْ قرأوا رسائلَ "الْحياةِ الحقيقيَّة في اللهِ"، طلبوا العماد و تَرْجم أَحدُهم الْمُجلّدَ الأول لـ"الحياة الحقيقيَّة في الله" إلَى اللغةِ العِبْريةِ. هو الآن قيدَ الطَّبعِ. جَميعهم يعيشون فِي إسْرائيل.

مؤخَّرًا، طَلَبتْ منّي بِنْغلادش أن أخاطبَ الشَّعبَ فِي داكا فِي مَلعبٍ عامٍ. دَعَوا أَحدَ أَئِمَّةِ الْجامعِ الذي لبّى دَعْوتَهم لِيَفْتَتِحَ الاجْتماعَ بِصلاةٍ وحضرَ مُسْلِمون كثيرونَ. كما حَضر مُمثِّلون عن الْهندوس والبوذيين وكهنةٌ كاثوليك. كانت أَلرِّسالةُ بكاملها مسيحيَّة (وقد أُخذتْ من كتاباتِ "الحياة الْحقيقيَّةِ فِي الله" الملهمة). أهَمُّ ما ركَّزَتْ عليه الرِّسالةُ الَّتِي أَعطَيتُها: إِظهارُ الله كَحُبٍّ، إِقامةُ السّلام مع الله والقريبِ، أنْ نتصالَحَ ونتَعلَّم أنْ نَحترمَ بَعْضنا بعضًا. بعد انتهاءِ الاجْتماعِ، أراد إِثنان من الْمسلمين أنْ يُصْبحا مسيحِيَّين وأَن يَعْتَمِدا.

 "أُريدُ أن تسْمعَ كلُّ الأُمَمِ كَلِماتِي. سأُرشدُكِ وأَكشفُ لكِ الطّريقِ الَّتِي يَجِبُ أنْ تَسْلُكيها..." (10/1/1987)

 

تعليمات تأمليّة

تُعَلِّمُ الكتاباتُ الْمُلهَمَةُ القرّاءَ أنْ يَعْرفوا الله وَيَفْهموه. كثيرٌ من النّاس يُؤْمنون بالله، لَكنّهم لا يعرفونه، لِذا فهي تُشجّعُنا لنُقيمَ علاقةً حَميمةً مع الله، تَقودُنا إلَى حَياةٍ مُوحَّدة معه. وهكذا، مُتَّحدين بالرّوح القدسِ فِي الْمسيح، على الْمؤمنين أَنْ يعيشوا حياةَ الْمسيح وحدها وذاتها.

تقولُ الكتابات: لا يفتخر الحكيم بِحكمتِه، ولا يَفتخر الْجبّار بِجَبروتِه ولا يَفتخر الغنِيُّ بِغِناهُ، بل بِهذا لِيَفْتَخرِ الْمُفتَخِرُ بأنْ يَفْهمَنِي ويَعْرِفَنِي (ار9/22- 23).

 

تشكيلُ جَماعاتِ صلاةٍ:

تُعلِّمُنا كتـاباتُ "الْحياة الْحقيقيَّة فِي الله" أنْ نُمارِسَ الصّلاةَ البسيطةَ القلبيَّةَ ونُحوّلَ حياتَنا إلَى صلاةٍ متواصلةٍ، أَيْ أنْ نعيشَ باسْتمرارٍ فِي الله واللهُ فينا. لكنّها توجِّهُ أيضًا دعوةً حارةً لتَشْكيلِ جَماعاتِ صلاةٍ حول العالَمِ. بِما أن شعوبَ أكثرَ من 60 بلدًا نظّموا لقاءاتٍ شَهدْتُ فيها، فقد تَشَكّلتْ الآن فِي كلِّ هذه البُلدانِ جَماعاتُ صلاة. يُوجدُ جَماعاتٌ مُتَعدّدةٌ فِي كلّ بلدٍ. مثلاً، فِي فرنسا، هناك 48 جَماعةُ صلاةٍ مسكونيَّةٍ متأثرةً بروحانيّةِ "الْحياة الحقيقيَّة في الله." فِي البرازيل، وهو بلدٌ كبيرٌ، يوجدُ 300 جَماعةِ مسكونية للصلاة . وفي كلِّ جَماعةٍ صلاتيَّة، سواءً كان الْمسيحيّونَ أُرثوذكسيِّين أو لوثريين، إِنْجليينَ أو مَعمدانيينَ، فجَميعُهم يبدأون بصلاةِ الْمسبحةِ.

"كم أَشْتاقُ إلَى ذلك اليومِ! اليومِ الذي سأُرْسِلُك فيه إلَى البشريَّةِ جمعاء، سَيتعلّمونَ أنْ يُحِبُّونِي  ويَفْهمُونِي  أكثرَ ؛  ستشاركُ  الْحِكْمةُ  البشريَّةَ  كلّها  فِي موارِدِها..." (يسوع يتكلَّم 25/1/1987).

 

ألْحثُّ على الأمانةِ لتَعاليمِ الكنيسةِ:

 

عند قراءةِ كتاباتِ "الحياة الحقيقيَّة في الله"، يَتعلّمُ أَحدُنا كيف عليه أَنْ يَبْقى أَمينًا للكنيسةِ. أَقولُ للنّاسِ، "حتّى لو رَمَوكُم خَارجَ الكنيسةِ، تَسلَّقوا من النّافذةِ، لكِنْ لا تَتْركوا الكنيسةَ أَبدًا". تُعلِّمُنا الكتابات أنْ نزورَ السّرَّ الْمُباركَ وأنْ نكونَ مع يسوعَ فِي حالةِ تعبُّدٍ. تُعلِّمُنا كيفَ نَتْبعُ أسْرارَ الكنيسةِ ونُحافظُ على التّقليدِ، تُعلّمُنا نُكران الذّاتِ، ألتّوبةَ، ألصّيامَ وكيفَ نُمارسُ، بالأخصِّ، سرَّ الإعتراف. تَحضُّنا على التَّوقِ إلى ِحضورِ القدّاس الإلَهي يوميًّا، إنْ أَمْكَن. كما تُوضِّحُ لنا أهَميّةَ الإفْخارستيا.

 

"بِهذه الْمُناولَةِ أُقدِّسُ كلَّ الَّذينَ يَقْبلُونَنِي، فأُؤَلِّهُهُم ليُصْبِحوا لَحمًا مِن لَحمي وعَظْمًا من عِظامِي. بِمُشاركتِكم لِي، أنا، مَن هو الإله، نُصبحُ أنْتم وأنا جسدًا واحدًا، مُتَحدِّين روحيًّا؛ نُصبحُ مُتَماثلينَ، لأنّنِي أَسْتطيعُ أن أُحوِّلَكم إلَى آلِهةٍ بالْمُشاركة. بألُوهيَّتِي أُؤَلِّه البَشَر..." (يسوع يَتَكلَّم 16/10/2000)

 

نشاطاتٌ: بيوتُ مَحبّةٍ يديرُها القرّاء

بِالعَودَةِ إلَى عام 1997، بعدَ أنْ مُنِحْتُ بالنِّعمة، رؤيا عن أُمّنا الْمُباركةِ، بينما كنتُ واقفةً خَارِجَ مكان وِلادَةِ الْمسيحِ فِي بيت لَحم، سَمعتُها تقولُ بأنّ الغِذاءَ الروحِيَّ لا يَكْفِي، بل علينا أنْ نُفكّرَ بالفُقَراءِ وأنْ نُطْعمَهم أيضًا. لذلك ما إِنْ أَعْلَنْتُ ذلك لَجَماعَاتِنا، جَماعاتِ الصّلاةِ، حتّى تطوّعَ فَورًا كثيرٌ منهم ليُساعدونِي فِي فَتحِ بيوتِ مَحبّةٍ لإطعامِ الفقراءِ. دُعِيَتْ هذه البيوتُ "بيوت مَرْيَم". يوجدُ واحدٌ منها فِي بِنغلادش، أربعةٌ فِي فنزويلا، ثلاثةٌ فِي البرازيل، إثنان فِي الفيليبين، ميتمٌ فِي غِينيا وقريبًا سيُفْتحُ واحدٌ فِي بورتوريكو، واحدٌ فِي الْهندِ، واحدٌ فِي رومانيا وميتمٌ فِي أوكرانيا. إنّنِي أُرْفقُ بعض الْمعلوماتِ عن ذلك (مُلحق 2). يرْتكزُ العملُ كلّه على التطوّع. كما تَعْتَمدُ "بيوتُ مَرْيَمَ" فِي عَملِها فقط على الْهِبات.  إنَّها بُيوتٌ تَعملُ بِمُبادَراتٍ مَحلّية، بيوتٌ مَحلّيةٌ غيرُ مرتبطةٍ بأيِّ تنظيمٍ فيما بَيْنها. فَهي تَكْفي نفسَها بِنَفسِها، وإنَّ أعضاء جَماعات الصّلاةِ أنْفسُهم يُديرونَها ويأخْذونَ على عاتِقهم خِدْمة الفُقراء، ليس فقط على صعيدِ إطعامهم، بلْ أيضًا بِمَنحِهم الْخَدَمات الطبِّيَةِ، وتأمين الثِّيابِ وتَربِيَةِ الأطفالِ. وأخيرًا، تُدار هذه البيوتُ بروحِ صلاةٍ مسْتمرَّة، وهي دائمًا مسكونيَّةٌ فِي طبيعتِها.

 

"أَسِّسِي بيوتَ مَرْيَمَ أَينَما استَطَعتِ. إرْفَعِي الْمَظلومين وساعِدي اليتامَى، إحْمينِي، أنْقذينِي منَ الْحُفْرةِ، إِحْمينِي وأَطعِمينِي، حرِّرينِي من عِبْئي وتَعَبِي، إدْعمينِي وشجِّعينِي؛ كلُّ ما تعملينه إلِى إخوتِي هؤلاءِ الصّغارِ، فلِي تَعْملينه... أُباركُ داعمي حَياتِي، فَلْيَبقوا فاضِلِينَ ومُحبِّين بِكلِّيتهم، أنا معكِ..." (يسوع يَتَكلَّم 22/4/2002).

أَلدّعوةُ إلَى التَّبشير

بعضُ قُرّاء "الْحياة الْحقيقيَّةِ فِي الله" الَّذين لَمَسَتهم الرسائل، يشعرون بأنّهم يستطيعونَ بأنْ يُصبحوا شهودًا حول العالَمِ لِيُساهِموا فِي نشْرِ الْخبرِ السّارِ. فبعد أنْ أَصْبحوا الأَدواتِ الطيِّعةَ للرّوحِ القدسِ الَّذي يَمدّهُم بِنِعْمةِ الكلمةِ وحِسِّ الإيْمانِ، غَدَا بإمكانِهم الآن أَنْ يَذْهبوا ويَشْهدوا حول العالَمِ داعين النّاس إلَى حياةِ صلاةٍ ويُعلِّموهم تشكيلَ جَماعاتِ صلاةٍ. إنَّ الْهدفَ هو حَمْلُهم على تَغيِيرِ حَياتِهم وعَيشِها في صلاةٍ مُستَمرَّة. بعضٌ من جَماعةِ الصّلاةِ فِي داكا يَنطلقون إلى القُرى (الإسلاميَّة) لِيقرأوا لَهم الرّسائل. كثيرونَ منهُم يُؤمنونَ ويُريدونَ أنْ يُصْبحوا مَسيحيِّين.

 

" أُريدُ أَنْ أَجعلَ مِن كلٍّ منها مشعلاً حيًّا مِن أَتونِ الْحُبّ. كرِّمينِي الآن وبَشِّري بِحُبّ مِن أَجلِ "الحُبّ" (يسوع يَتَكلَّم 27/1/1989).

 

ألتعبُّد لِمَريَمَ العذراء

تَحْملُنا "ألْحياة الْحقيقيَّةُ فِي الله" على أنْ نُصْبحَ أَولادَ أُمِّ الله، بِما أنَّ قلبَها الطّاهرَ لا ينفصِلُ أَبدًا عن قلبِ يسوعَ الأَقدسِ بَل هو فِي وَحْدَةٍ تامّةٍ معه. أُمُّنا هي سَنَدُنا ونحن نَعْرِفُ ذلك. وكلُّ من ينضمُّ إلَى جَماعاتِ الصّلاة سواء كانوا بروتِستانْت أو كالفِينِستْ أو آخَرين، يَتَعَلَّمونَ جَميعُهم تَكريْمَ سيِّدتنا وقدِّيسِينا والصّلاة لَهم.

 

"أَلَمْ تُلاحِظِي كيفَ أَنَّ قَلْبِي يذوبُ ويُحابِي دائمًا قلبَها؟ كيفَ يُمْكنُ أنْ يُرفَضَ، لِهذا القَلْب الَّذي حَمَلَ مَلِكَكُم، أيُّ شيءٍ تَطْلبُه منِّي؟ بارِكوا، يا جَميع الْمؤمنينَ قَلبَها لأنّكم بِمباركةِ قَلْبها تُباركونَنِي" (يسوع يَتكلَّم 25/3/1996).

 

جَمعيَّاتُ الْحياةِ الْحقيقيَّةِ فِي الله

إذا كانَ فِي بعضِ البُلْدانِ جَمعيّاتٌ لِلحياةِ الْحقيقيَّةِ فِي الله، فَهي فَقَطْ لأَغراضٍ شرعيّةٍ، فيما يتعلَّق بِِدعمِ عملِ التَّبشيرِ هذا ونَشرِ الكتبِ. إِنْ كنَّا قَدْ أسَّسْنا جَمعيّاتٍ فِي بعضِ البُلدانِ، فذلك فقط للإِمتثال للقوانينِ الْمَحلِّيةِ. أَذكرُ مثلاً واحدًا: فَتحَ علبة بريدٍ باسمِ "الْحياةِ الْحقيقيَّةِ فِي الله". لكنَّنِي لَمْ أُفكِّر قط بِتَشكيلِ حَركةٍ. تُرجِمت الكتبُ إلَى 38 لغّة ولَمْ أَتقاضَ أيَّ حصَّةٍ مِن أَحدٍ ما عدا من دارِ نشر ِبارفِيس (Parvis) إذْ قالَ مُديرُها إنَّ هذه هي سياستُه في العَمَل. يَذْهبُ هذا الْمالُ لأَعمال الْمَحبَّةِ، لتَغطيةِ تكاليفِ الكُتبِ ومَصاريفِ السَّفرِ، لأشهدَ فِي بلدانِ العالَمِ الثّالثِ حيثُ لا يَمْلكون الإمكانيّات لِلمُساهَمَة.

 

نشاطاتٌ أُخرى

كلّ سنتين، يُساعدُنِي متطوعون من جَماعاتِ الصّلاةِ فِي تنظيمِ نَدوة عالَميَّة عن الْمسكونيَّةِ. ونحن فِي الوقتِ نفسِه، نَعْتبِر ِذلك حَجًّا. لَقَدْ قُمْنا حتّى الآن، بأربَعَةٍ مِنها. وأَكبَرهم كان عام 2000 فِي الأراضِي الْمقدَّسةِ (بينما كان الأب الأَقدس هناك) حيثُ أتَى 450 شخصًا من 58 بلدًا. كان معنا 75 إكليريكيًّا من 12 كنيسة مُختلفة. في عام 2002، سيُقام حجٌّ في مِصْر.

بشكلٍ عام، أُحبُّ بيتَ الرَّبِّ وفوق كلِّ شيء أحبُّ الله. أنّنِي مدينة له بالنّعمِ التِي وهبها لِي. قال لِي مرةً: "لقد أعطيتكِ مَجانًا، فَمَجّانًا أَعطِي." هذا ما أُحاولُ القيامَ به؛ أنْ أنقلَ كلماتِه بِمجانيّة إلى كلّ من يريدُ أنْ يسمع.

أشكرُكَ مُجدّدًا لأنّك سَمَحْتَ لِي بأنْ ألْقِي ضوءًا على الأسئلةِ الْمتعلقةِ بكِتاباتِي ونشاطاتِي. على الْموقعِ www.tlig.org، تستطيعُ أن تَجِدَ مَعْلوماتٍ أَوفرَ. أَسألُكَ أن تتفضَّلَ وتَنْقلَ تَحيَّاتِي إلَى نيافةِ الكاردينال جوزف راتْزنْجِر، ونيافةِ الْمونسينيور تارسيسو برتونِي والْمونسينيور جيافرنكو جيروتِي وأَيضًا إلَى أصحاب السعادة من مستشاريه من"مجمع عقيدة الإيمان " مع شُكْري لَهم مُجدَّدًا لِمَنحِي هذه الفرصةَ لأُوضِّحَ عَملِي. آملُ أنْ أكونَ قد فَعَلْتُ هذا كما هو متوقَّعُ. إنّنِي راغبة فِي أنْ أُجيبَ، شَفَهيًّا أو كتابيًّا، على أيّ سؤالٍ يُراوِدُكم. وإنّنِي مستعدةٌ أنْ أتقبَّلَ أيَّة اقْتراحاتٍ تُقَدِّمونها لِي لتَوضيح بعضِ التّعابيرِ الواردةِ فِي كُتُبِ "الْحياةِ الْحقيقيَّةِ فِي الله". وإذا كانَ ضَروريًّا، أَسْتطِيعُ أَنْ أُضيفَ مِثْلَ هذه التوضيحاتِ فِي طَبْعاتٍ جَديدةٍ لِكتُبِي.

وبِهذا، أُرْسل لك تَهانِيَّ وتَمنيّاتِي القلبية وتَحيّاتِي.

ألْمُخلصةُ لكُم بالْمسيح،

فاسولا ريدن

روما، 26حزيران 2002


 


[1]  سَمعت فِي الوقتِ نفسِه كلمةَ "فَهم".

[2]  الكتاب الْمقدس.

 (Revelation with capital R) [3].

  (revelation with minor r) [4].

[5]  الأب ماري – أوجين، O.C.D. "أنا بنت الكنيسة" الْمجلدII ، شيكاغو، 1995 ص 283.

[6]  مع أنّه فِي كتابنا عن عقيدةِ الكنيسة الأرثوذكسية، الكتاب رقم 1، الَّذي نُشرَ عام 1977 للسَّيد ترمبلاسTrembelas ، فِي الصفحة 79 يقول: "تُعرّفُ الإيحاءات كعملٍ يقومُ به اللهُ بِحيثُ يُبلِّغُ مَخْلوقاتِه العاقلةَ عن أسرار وجودِه وطبيعته ومشيئتِه، وفقًا لقدرتِهم العقلية الْمحْدودةِ...."

 (A Uniate) [7] .

[8] البابا.

[9] يوحنّا 21/15-17.

[10] هنا كان يسوع واضحًا وجازمًا .

[11]  ألرِّسالةُ التَّعميميَّة للأب الأقدسِ، يوحنا بولسَ الثانِي، "Ut Unum Sint " عنِ الالتزامِ بالْمسكونيَّةِ 89.

[12]  رسالة الأب الأقدس التَّعميميَّة، يوحنا بولسَ الثانِي،Ut Unum Sint ، عن الإلتِزام بالْمسكونية 61، مرجع الرسالة الرسولية "النور الشرقِي" (2 أيار 1995)، 24: أوسرفاتوري رومانو 2 – 3 أيار 1995، 18: Loco  citi، 4.

[13]  فَهِمتُ فِي الوقتِ نفسِهِ "كَم عَلَينا أن نتألَّم قَبْلَ ذلك!" وكلمة "نَحْن" كان يُراد بِها البابا يوحنا بولس الثاني والْمسيح معًا.

[14]  فهمتُ أنَّ الْمسيحَ كان يشيرُ إِلَى رسائلِه حولَ الوحدةِ التِي يدعُونا فيها جَميعًا إلَى توحيد تواريخِ الفِصْح. يَبدو أنَّ هذا الأمرُ وَحْدَه يُرْضيه ويُطْفىء ظَمأه للوحدةِ. وَعَدَنا الْمسيحُ، فِي حال توحيدِ تواريخ الفِصْح، بأنَّه سيَعْملُ البَاقِي.

  Orientarium Ecclesiarum [15] م.م.

[16]  ألرسالةُ البابويةُ "ليكونوا واحدًا" للأبِ الأقدسِ يوحنا بولسَ الثانِي عن الالتزام بالْمسكونية 58.

[17]  اسم رمزي للمسيح.

[18]  القدّيسة كاترين السيانيَّة "حوار العناية الإلَهية" رقم 167. يُذكِّر هذا  الْمقطع فِي كتاب السواعية الرومانِي(Roman Breviary)  فِي القراءة الثانية لنيسان 29.

  The same [19].

[20]  دليل التعليم الْمسيحي العام 43.

[21]  دليل التعليم الْمسيحي العام 47.

[22]  رؤ 21/5



عودة إلى الصَّفحة الأصليَّة